معركة الدونونية 1275م
يوم أنقذت جيوش المغرب غرناطة من الاجتياح القشتالي
الخلفية التاريخية : غرناطة بين المهادنة و الصراع
واجه محمد بن الأحمر (مؤسس إمارة غرناطة) تحدياتٍ استثنائية عند تأسيس دولته سنة 1245م/643هـ. فبعد سقوط قواعد الأندلس الكبرى، اضطر لاعتماد سياسة مرنة قائمة على معاهدات ضعيفه مع قشتالة وكل ملوك المدن الإسبانيه .
ظل ابن الأحمر طيلة الفترة من سنة 643 هـ 1245م وحتى سنة 671 هـ 1273م في اتفاقيات هشه تارة يلتزمون وتارات لا يفعلون .
وقد كان " ألفونسو العاشر " أول ملك من الإسبان يتقن اللغة العربية وآدابها ،ولم تكن أسبانيا وحده واحده بعد فكان ملكا علي " قشتاله " و " ليون " فقط وكان يرغب في تتويجه إمبراطوراً على المملكة الرومانية القديمة و تلميع صورته كـ "بطل صليبي" ، ومن أجل ذلك شن عدد من الهجمات الصليبية على غرناطة من أجل تمويل طموحاته ، ورغبة أن ينال رضا ومباركة بابا روما لمشاركته في حرب الاسترداد الصليبية في الأندلس .
التمهيد للمواجهة : ألفونسو ينقض العهد
ما إن استقرّ عرش ألفونسو حتى جهّز جيشاً ضخماً قوامه 90,000 جندي بقيادة صهره القائد «دون نينيو دي لارا»، متجهاً صوب غرناطة سنة 1275م عازماً أن يضم مملكة غرناطة إلى ملكه .
التحالف الإسلامي: الأندلس والمغرب يداً بيد
ربض جيش قشتالة في انتظار اللحظة الحاسمة للتحرك صوب غرناطة ، ولكن فى الجانب الآخر كانت سفن بني مرين تعبر إلى الجزيرة الخضراء لتعيد مشهد عبور المرابطين ومن بعدهم الموحدين .
لكن هذه المرة بقيادة المنصور أبي يوسف المريني الذي طلب من " الفقيه ابن الأحمر " أن يتنازل له عن بعض الحصون على الساحل حتى يتسنى له نقل جنده بسهولة ، وقد كان له ما أراد ، فنزل المنصور المريني إلى الأندلس ، وتوجه بجيشه ناحية الشمال ، فقابلته فرق من بني أشقيولة أخوال الفقيه و أصهاره ، و انضموا إلى الجيش المريني ولحق بهم الكثيرين من آل ابن الأحمر ، ولكن ابن الأحمر نفسه عاد إلى غرناطة ينتظر نتائج ما سيحدث …
و تقدّم الجيش الموحّد شمالاً ، حيث حقق عدة انتصارات متتالية حتى وصل إستِجّة ( جنوب غرب قرطبة )، بينما ابن الأحمر في غرناطة لتنظيم الدفاع تحسبا لإحتمالات الخساره .
ما قبل معركة الدونونية
توغل المرينيون بقيادة المنصور أبي يوسف , في أراضي قشتالة التي كانت يوماً ملكا للمسلمين ، سار حتى – أبده – وهي بالقرب من قرطبة , ينسف في طريقة من يقابله ويهزم الجموع و يحصد الغنائم .
روح الجهاد والعزة عادت من جديد ، رايات المسلمين رفعت مرة أخرى هناك على مشارف قرطبة .
و عندما علم بقدوم جيش ” دون نينو ” عاد متراجعاً ليختار هو أرض المعركة فدخل مدينة إستجة وأمر بجمع الغنائم في الحصن ووضعها تحت حراسة خاصة حتى لا تعيق الرجال عن هدفهم .
أحداث معركة الدونونية : على أرض إستِجّة
في 9 سبتمبر 1275م (15 ربيع الأول 674هـ)، التحم الجيشان عند حصن الدونونية ، وقبيل الهجوم، وقف السلطان أبو يوسف المريني يُلهب حماس الجنود:
"ألا وإن الجنة تحت ظلال السيوف! فمن مات منكم مات شهيداً، ومن عاش رجع غانماً. ( اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) .
ما أن بدأت المعركة حتى أرتفع الصليل وصهيل الجياد ، وأخذت صيحات التكبير ترتفع وكذا صراخ القشتاليين ، في خضم المعركة كان يعقوب المنصور يقاتل بشراسة ، كأنه أسد يذرع الغابة .
اندلعت مواجهة ضارية سقط فيها الآلاف من الطرفين. وصف المؤرخ ابن أبي زرع الفاسي المشهد :
" ولم يكن إلا كلمح البصر حتى لم يبق السيف من الروم من يرجع لقومه بالخبر ،و تهاوت الدروع عن أجسادهم " .
وكان دون نونيو نفسه من بين قتلى هذه المعركة فكانت خسارة قومه فيه عظيمة، ولذلك سميت المعركة باسمه كما ينطقه المسلمون – دونونية – .
كانت الهزيمة موجعه لقشتالة ، فقد لاح في الأفق ذكريات الزلاقة و الأرك ، فتلك المعركة كانت أول نصر عظيم بعد موقعة العقاب التي على أثرها كانت بداية تهاوي قواعد الأندلس .
نتائج معركة الدونونية الهزيمة التي غيرت مسار التاريخ
1. كارثة قشتالية : سقوط 18,000 قتيل وسبي 7,800 ( فيهم قائد الجيش دون نينيو نفسه ) .
2. إنقاذ غرناطة : أوقفت المعركة الزحف القشتالي المباشر، وساهمت في استمرار الإمارة 217 عاماً إضافياً.
3. صعود نجم المرينيين : أثبتت المعركة دور المغرب كحامٍ للوجود الإسلامي في الأندلس.
4. صدمة أوروبية : أعادت إلي الذاكرة الأوروبية و الصليبية هزائم سابقه مثل الزلّاقة و الأرك .
رمزية المعركة: دروس لم تنتهِ
لم تكن معركة الدونونية مجرد صدام عسكري ، بل نموذجاً خالداً لثلاثة دروس مستفاده :
- أولا الوحدة الإسلامية (تعاون المرينيين و الغرناطيين ) كانت هي الأمل الوحيد للصمود .
- ثانيا الجغرافيا لابد من الأخذ بالأسباب ف الثلوج والجبال (البشرات) أصبحت حمايه للمسلمين .
- ثالثا القيادة الحكيمة ( مثل منظومة أبو يوسف وابن أشقيلولة ) تُحول الهزائم المحتملة إلى انتصارات.
أخيرا نقول " تظل الدونونية شاهداً على أن سقوط الأندلس لم يكن قدراً محتوماً ، بل نتيجة تراكم أخطاء الوحدة المفقودة .
مصادر اعتمدنا عليها
* لسان الدين الخطيب : الإحاطة في أخبار غرناطة
* المقري : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
* محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس (جـ4)