رحم الله أيام الأندلس
كان " ألفونسو العاشر " أول ملك إسباني يتقن اللغة العربية وآدابها ، وكان يرغب في تتويجه إمبراطوراً على المملكة الرومانية القديمة، فمن أجل ذلك شن عدد من الهجمات الصليبية على غرناطة من أجل تمويل طموحاته ، ورغبة أن ينال رضا ومباركة بابا روما لمشاركته في حرب الاسترداد الصليبية في الأندلس .
حيث أنه ما أن استقر الأمر داخليا للملك " ألفونسو العاشر " على عرش قشتالة حتى نقض العهود المبرمة بين قشتالة و غرناطة ، فجهز جيشا ضخما يقارب التسعين ألفا , عازماً أن يضم غرناطة إلى مملكته , فجعل على رأس الجيش صهره الدون ” نينو دي لارا ” القائد الفذ …
ربض جيش قشتالة في انتظار اللحظة الحاسمة للتحرك صوب غرناطة ، ولكن فى الجانب الآخر كانت سفن بني مرين تعبر إلى الجزيرة الخضراء لتعيد مشهد عبور المرابطين ومن بعدهم الموحدين .
لكن هذه المرة بقيادة المنصور أبي يوسف المريني الذي طلب من " الفقيه ابن الأحمر " أن يتنازل عن بعض الحصون على الساحل حتى يتسنى له نقل جنده بسهولة ، وقد كان له ما أراد فنزل المنصور المريني إلى الأندلس ، وتوجه بجيشه ناحية الشمال ، فقابلته فرق من بني أشقيولة أخوال الفقيه وأصهاره ، فانضموا إلى الجيش المريني ولحق بهم ابن الأحمر ، ولكنه عاد إلى غرناطة ينتظر نتائج ما سيحدث …
توغل المرينيون بقيادة المنصور أبي يوسف , في أراضي قشتالة التي كانت يوماً ملكا للمسلمين ، سار حتى – أبده – بالقرب من قرطبة , ينسف من يقابله ويهزم الجموع و يحصد الغنائم ، روح الجهاد والعزة عادت من جديد , رايات المسلمين رفعت مرة أخرى هناك على مشارف قرطبة .
وحينما علم بقدوم جيش ” دون نينو ” عاد متراجعاً ليختار هو أرض المعركة فدخل مدينة إستجة وأمر بجمع الغنائم في الحصن ووضعها تحت حراسة خاصة حتى لا تعيق الرجال عن هدفهم .
في ظهيرة يوم التاسع من سبتمبر عام 1275 م – الخامس عشر من ربيع الأول 674هـ … ألتقى الجمعان جنوب غرب قرطبة …
كانت المعركة ضارية، سقط الصناديد من الطرفين ، لكن إيمان المسلمين بقضيتهم دفعهم دفعا إلى المضي قدمًا .
تذكر، نحن ندافع عن أرضنا وعرضنا وديننا، فكيف نخاف الموت؟
وقف " المنصور ابي يوسف " أمام جنده قائلاً :
ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها، وزينت حورها وأترابها، فبادروا إليها وجِدُّوا في طلبها ، وابذلوا النفوس في أثمانها، ألا وإنَّ الجنَّة تحت ظلال السيوف فمَنْ مات منكم مات شهيدًا، ومن عاش رجع إلى أهله سالمًا غانمًا مأجورًا حميدًا، فـ,( اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) .
وما أن بدأت المعركة حتى أرتفع الصليل وصهيل الجياد ، وأخذت صيحات التكبير ترتفع وكذا صراخ القشتاليين ، في خضم المعركة كان يعقوب المنصور يقاتل بشراسة ، كأنه أسد يذرع الغابة .
فكان يوماً من أيام الله أنتصر المسلمون بقيادة المنصور المريني و ابن أشقليولة الأندلسي .
يقول المؤرخ المغربي ابن أبي زرع الفاسي: "ولم يكن إلا كلمح البصر حتى لم يبق السيف من الروم من يرجع لقومه بالخبر، ولم تبق منهم الرماح باقية ولم تق الدروع و المجن عنهم واقية "، إنقشع غبار المعركة وخسـر القشتاليون الصليبيين 18 ألف جندي، ووقع منهم في الأسر سبعة آلاف وثمانمائة، وكان دون نونيو نفسه من بين قتلى هذه المعركة فكانت خسارة قومه فيه عظيمة، ولذلك سميت المعركة باسمه كما ينطقه المسلمون – دونونية – تخليداً للهزيمة المروعة.
كانت الهزيمة موجعه لقشتالة ، فقد لاح في الأفق الزلاقة و الأرك ، فتلك المعركة كانت أول نصر عظيم بعد موقعة العقاب التي على أثرها تهاوت قواعد الأندلس .
نتائج معركة الدونونيه
١- تأخير سقوط الأندلس: أوقفت معركة الدونونية زحف النصارى نحو الأراضي الإسلامية ، وأدت إلى تأخير سقوط الأندلس بأكثر من قرنين من الزمان.
٢- تعزيز مكانة المرينيين: عزز انتصار المرينيين في هذه المعركة من مكانتهم كقوة إسلامية صاعدة في المنطقة.
٣- تغيير موازين القوى: غيرت المعركة موازين القوى في المنطقة، وأدت إلى تراجع نفوذ ملوك قشتالة.
٤- رمزية معركة الدونونية : أصبحت معركة الدونونية رمزاً للمقاومة الإسلامية ضد الغزو الصليبي ، وما زالت تلهم المسلمين حتى يومنا هذا .
كانت فرحة المسلمين لا توصف ، فقد أوقف زحفهم نحو الأراضي الإسلامية ، وأخر سقوط الأندلس بأكثر من قرنين من الزمان ، تلك المعركة كانت نقطة تحول في تاريخ الأندلس، وستظل محفورة في ذاكرتنا للأبد.
باختصار كانت معركة الدونونية أكثر من مجرد صراع عسكري ، بل كانت معركة حضارية ، تركت أثرًا عميقًا في الوجدان الإسلامي .
المصدر
الإحاطة في أخبار غرناطة / لسان الدين الخطيب
دولة الإسلام فى الأندلس / محمد عبد الله عنان
نفح الطيب / المقري
إرسال تعليق