نقطة تحول في تاريخ الأندلس
اطراف معركة العقاب
المعركة التي تعرف بـ معركة " لاس نافاس دي تولوسا " ، كانت معركة حاسمة وقعت في عام 1212م ، حيث وقعت في الأندلس بين تحالف مسيحي بقيادة ملوك قشتالة ونافارا والبرتغال وأراغون وقوات الموحدين وقد شكلت هذه المعركة نقطة تحول كبيرة في تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث مثلت بداية التراجع الإسلامي في الأندلس ، لأن معركة العقاب انتهت بانتصار ساحق للتحالف المسيحي الأوروبي .
ماقبل معركة العقاب
بعد خسارته المدوية في معركة الأرك عام 1198، استغل ألفونسو الثامن هدنته الهشّة مع المسلمين لتقوية دفاعاته ، ومع تزايد قوته، خرق الهدنة وشن هجمات عدوانية على أراضي الأندلس، متسببًا في دمار واسع في مدن مثل جيان و بياسة و مرسية في محاولة لاستعادة ماء وجهه وتوسيع مملكته.
وفي عام 607 هـ الموافق 1211 م، استعد السلطان الموحدي محمد الناصر لاستعادة ما فقده والده من الأراضي، فاستنفر المسلمين من المغرب والأندلس ، فوصل بجيشه إلى إشبيلية في 19 ذي القعدة من نفس العام، وأمضى الشهور التالية في التجهيز والتخطيط ، و بداية عام 608 هـ، تحرك الجيش صوب قشتالة، فاستطاع بعد حصار دام ثمانية أشهر الاستيلاء على قلعة شلطبرة ، ثم مع حلول فصل الشتاء، عاد بالجيش إلى إشبيلية لتجديد قوته والاستعداد للمرحلة القادمة.
أسباب معركة العقاب :
١- كان هناك طموح كبير لدى الملوك المسيحيين في شمال شبه الجزيرة الإيبيرية لاستعادة الأراضي التي كانت تحت الحكم الإسلامي .
٢- الدولة الموحدية التي كانت تحكم الأندلس في ذلك الوقت كانت تعاني من الضعف الداخلي وتعدد الصراعات الداخلية .
٣- قيام الملوك المسيحيون بتشكيل تحالف قوي ضم ملوك قشتالة وليون وأراغون ونبرة بهدف القضاء على الإسلام .
سبب تسمية معركة العقاب :
يطلق الأسبان على هذه الوديان اسم " نافاس "ولذا عرفت الموقعة عندهم باسم " لاس نافاس دي تولوسا " ، ويسمي المؤرخون المسلمون هذا الموضع بـ" العقاب " ، نسبة إلى حصن أموي قائم بالقرب من المكان الذي دارت فيه المعركة .
أحداث معركة جسر العقاب :
دخل الناصر الموحدي أرض الأندلس بهذا العدد الكثيف من المسلمين، وفي أول عمل له حاصر قلعة سَالْبَطْرَة، وكانت قلعة كبيرة وحصينة جدا وبها عدد قليل من النصارى، وكانت تقع في الجبل جنوب طليطلة، لكن حصانة القلعة أعجز المسلمين عن فتحها، فأشار قادة الأندلسيين والموحدين على الناصر بأن يترك حامية عليها ثم يدعها ويتجه إلى جيش النصارى في الشمال ، وذلك خوفا من إنهاك قوتهم فيما لا طائل من ورائه، ولمباغته الصليبيين قبل تكامل استعداداتهم وقدوم المساعدات البابوية لنجدتهم، ولكن الناصر الموحدي رفض هذا الأمر واستمع لرأي وزيره ابن جامع الذي رأى أنه لا يجب أن تُجوّز هذه القلعة، فظل يحاصرها طيلة ثمانية أشهر كاملة ، كانت كافية جداً لقدوم أكثر من مائة ألف مقاتل من أوروبا لنجدة ألفونسو .
أثناء انشغال الناصر وجيوشه بمحاصرة حصن سالبطرة استطاع الصليبيون الهجوم على حصن رباح الاستراتيجي، وهي قلعة إسلامية حصينة كان قد تملكها المسلمون بعد موقعة الأرك، وكان على رأسها القائد البارع الأندلسي الشهير أبو الحجاج يوسف بن قادس وكان معروفاً بشجاعته وحنكته العسكرية. طال أمد الحصار حتى أدرك أبو الحجاج يوسف بن قادس أنه لن يفلت منه بعد أن بدأت بعض أسوار القلعة تتهاوى أمام جيش الصليبيين.
أراد أبو الحجاج يوسف بن قادس أن يحقق الأمن والأمان لجيشه، وأراد أن يتحيز إلى فئة المؤمنين وينضم إلى جيش المسلمين، فعرض على النصارى معاهدة تقضي بأن يترك لهم القلعة بكامل المؤن وكامل السلاح على أن يخرج هو ومن معه من المسلمين سالمين ، ليتجهوا جنوبا فيلتقوا بجيش الموحدين هناك ودون مؤن أو سلاح.
فوافق ألفونسو التاسع على العرض، وسمح للمسلمين بالخروج، فاعترض جيش البابا أو الجيش الصليبي الأوروبي على الأمر؛ فقد كانوا يرون أنهم ما أتوا من أبعد بلاد أوروبا ومن إنجلترا وفرنسا والقسطنطينية إلا لقتل المسلمين ، فلا يجب أبدا أن يتركوا ليخرجوا سالمين، وكان ألفونسو أكثر خبرة منهم بالمسلمين ، فلقد علم أن الغدر بالحامية بعد استسلامها سوف يكون له عواقب وخيمة فيما بعد ، حيث سيقاتل المسلمون حتى الموت ولن يستسلموا لهم مهما كانت العروض مغرية. وفي النهاية انسحب بعض الفيالق الصليبية الأوروبية من القتال وقفلوا عائدين إلى بلدانهم.
حين قابل القائد أبو الحجاج يوسف بن قادس إلى الناصر الموحدي ، وعندما علم منه أنه قد ترك قلعة رباح وسلمها بالمؤن والسلاح إلى النصارى، أشار الوزير السوء أبو سعيد بن جامع بقتله بتهمة التقاعس عن حماية القلعة، فلم يتردد الناصر وأمر بقتله فوراً ، فأدى بذلك لوقوع تذمر وسخط كبير داخل الجيش الإسلامي خاصة بين القوات الأندلسية لما رأته من ظلم بيِّن في قتل ابن قادس ، ووقعت الفرقه بين مكوني الجيش الإسلامي ، المغاربة والأندلسيين ، وهو ما أثر فيما بعد على مجريات القتال.
لم يكتف الناصر الموحدي بما فعل من أخطاء استراتيجية فادحة حتى أكمل الطامة بتنظيم عسكري للقوات الإسلامية لم يراع توازن القوى وقيمة العدو المواجه ، فقد غرته جموعه الكبيرة ودخله الكبر من ضخامتها ، فلم يهتم بالتنظيم القتالي الملائم لأرض المعركة وطبيعة تشكيل العدو ، فوضع قوات المتطوعين المغاربة في المقدمة وجعل الجيش النظامي في الخلف ، ومعروف أن المتطوعين أصحاب شجاعة وحمية وصبر في القتال، ولكنهم في نفس الوقت يفتقرون إلى الخبرة القتالية ولا يعرفون شيئاً عن فنون القتال والخطط الحربية والتحركات الميدانية للقوات أثناء القتال. لذلك كان من الطبيعي أن تكون الصدمة الأولى في القتال لصالح الصليبيين الذين جعلوا في مقدمة جيوشهم قوات النخبة من فرسان قشتالة وفرسان الهيكل والداوية المعروفين بشراستهم القتالية، وخبرتهم الطويلة في المعارك .
في صبيحة يوم 16 يوليو 1212ميلادي الموافق 15 صفر 609 هجري ، كانت الأندلس على موعد مع معركة مصيرية فاصلة وحاسمة في حياة دولة الإسلام في الأندلس، حيث اصطدم الجيشان الإسلامي والصليبي على أرض سفح جبل الشارات .
وعلى أرض معركة العقاب دفع الناصر الموحدي ثمن كل أخطائه مجتمعة، ورغم التفاوت الكبير بين الجيشين في العدد والعتاد إلا إن الهزيمة كانت من نصيب المسلمين، وقُتل منهم عشرات الآلاف، ووقع الخذلان في صفوف المسلمين لسابق ما حدث بينهم من خلافات بين مغاربة وأندلسيين، وقُتل معظم المتطوعين وفيهم العلماء والزهاد والعباد والصالحين، وقُتل ابن الناصر الموحدي أمام عينيه، واستبسل حرس السلطان في الدفاع عن خيمته بعد أن انصدعت ميمنة وميسرة الجيش الإسلامي وانكشف قلبه أمام غارات الصليبيين، ووقعت الهزيمة بقدر الله على المسلمين.
وفر الناصر الموحدي من أرض المعركة ولم يكتف بهذا الفرار، بل ارتكب بعدها خطأ استراتيجيا قاتلاً بأنه لم يتحصن بالمدن القريبة من أرض المعركة مثل بياسة وأوبدة ، وكلتاهما من المدن الحصينة القوية ، بل واصل انسحابه حتى إشبيلية وترك هاتين المدينتين الكبيرتين بلا حامية أو دفاع، فاحتلهما الصليبيون بسهولة وفتكوا بأهلها جميعاً .
غنم الصليبيون غنائم ضخمة من المعركة، وحققوا مكاسب سياسية وعسكرية أضخم وأخطر ، فبعد انتهاء المعركة مباشرة تقدم الصليبيون تجاه حصن مدينة أوبدة واستردوا الحصن والمدينة وقتلوا 60 ألفا من أهلها، ثم توالت بعد ذلك كبرى قواعد الإسلام في الأندلس وانهارت معظم حواضرها؛ مثل إشبيلية وقرطبة وجيان وقادس وكان أهم ما غنمه الإسبان من أرض المعركة؛ راية دولة الموحدين الشهيرة وهي حمراء اللون مزركشة بصورة بديعة، وهي الراية التي يتم استعراضها حتى اليوم في الاحتفال الرسمي للإسبان بالانتصار فيما يطلقون عليه عيد انتصار الصليب ، في إشارة لأهمية ظفر الصليبيين على المسلمين يوم العقاب.
نتائج معركة العقاب :
١- تراجع المسلمين .
٢- انقسام الدولة الموحدية .
٣- تحول مسار التاريخ .
أهمية معركة حصن العقاب
أولا : كانت هذه المعركة واحدة من أهم المعارك في تاريخ شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث غيرت ميزان القوى بين المسلمين والمسيحيين.
ثانيا : أصبحت معركة العقاب رمزًا للصراع بين الحضارات، وتُدرس في كتب التاريخ كمثال على تحول دراماتيكي في الأحداث.
ثالثا : تثير هذه المعركة العديد من الأسئلة حول الأسباب التي أدت إلى هزيمة المسلمين، ودور العوامل السياسية والعسكرية والدينية في تحديد نتائج المعارك.
إذا كان لديك أي أسئلة أخرى حول معركة العقاب أو الأحداث التي تلتها ؟
التعليقات مفتوحة لا تتردد في طرح أي سؤال يخطر ببالك .
المصادر
* عبد الله جمال الدين / تاريخ المسلمين في الأندلس .
* السيد عبد العزيز سالم / المغرب الكبير ( العصر الإسلامي ) .
إرسال تعليق