سراقة بن مالك
قصة مُطارِد تحوّل إلى حارسٍ للرسول!
كان الظلامُ يلفُّ صحراء مكة كسوادِ الجمر ، ونجوم الليل تُراقب بصمتٍ رجلين يهرُبان على ظهر ناقتين ، يتجهان شمالاً صوب يثرب. إنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفي المدينة المنورة، ينتظرهم أنصارٌ آمنوا برسالة السماء.
وفي ذلك الليل الحالك، اجتمع رجال قريش في دار الندوة ، تتأجج في صدورهم نار الحقد والخوف من هروب النبي. وعلَّقوا مئة ناقة لمن يعيدهما حيًّا أو ميتًا .
بينما كان "سراقة بن مالك" - فارسٌ من فرسان بني مدلج، معروفٌ بفروسيته وشدَّته - جالسًا مع قومه، إذ انطلقت صيحاتٌ من بعيد: "يا سراقة! رأينا أثرًا نحو الساحل ، كأنه أثر محمد وأصحابه!"
انتفض سراقة كالسهم ، ارتدى درعه ، و تسلَّح بقوسه وسهامه ، وامتطى صهوة جواده الأصيل، وانطلق كالريح العاتية في اتجاه الأثر. في قلبه أملٌ بجائزة قريش، وفي عينيه بريق الفخر بأنه سيكون بطل قريش الذي يقبض على الهاربين.
كلما اقترب، ازدادت سرعة قلبه. حتى رأى في الأفق ظلَّي الرجلين! ضغط على جواده، وهمَّ أن يرفع صوته بالتهديد... وفجأة غاصت قوائم الفرس في الرمل حتى ركبتيها! سقط سراقة بن مالك على الأرض، وانطلقت سهامه من كنانته دون قصد ، حاول أن ينهض فرسه، لكنها عجزت ، وكأن الأرض تبتلعها .
في تلك اللحظة، نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم - وقد رأى ما حدث - نظرةً ملؤها الطمأنينة، وقال بصوته الهادئ الذي يخترق الضمائر:
"يا سراقة، أتراك قادرٌ علينا الآن؟".
ارتجف قلبُ الفارس. أدرك في أعماقه أن ما حدث ليس قوة بشر، بل قدرة إله. صرخ من أعماق روحه:
"أشهد أنك رسول الله! ادعُ الله أن يخلّص فرسي، وأعاهدك ألا أُتبع أحدًا ورائي، وأردُّ عنك كيد المطالبين!"