أبو العباس أحمد الزاهد بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور الهاشمي المعروف بالسبتي
كان عبدا صالحا ترك الدنيا في حياة أبيه مع القدرة ولم يتعلق بشيء من أمورها وأبوه خليفة الدنيا وآثر الانقطاع والعزلة وإنما قيل له السبتي لأنه كان يتكسب بيده في يوم السبت شيئا ينفقه في بقية الأسبوع ويتفرغ للاشتغال بالعبادة فعرف بهذه النسبة ولم يزل على هذه الحال .
قد ولد يوم كان أبوه وليا للعهد في عهد ولاية عمه الهادي وقد توفي سنة مائه واثنان وتسعين قبل موت أبيه .
فلما احتضر أخرج الخاتم وقال لصاحب المنزل : اذهب بهذا إلى الرشيد وقل له : صاحب هذا الخاتم يقول لك :
إيَّاكَ أن تموت في سكرتك هذه فتندم حيث لا ينفع نادما ندمه، واحذر انصرافك من بين يدي الله إلى الدارين، وأن يكون آخر العهد بك ، فإن ما أنت فيه لو دام لغيرك لم يصل إليك ، وسيصير إلى غيرك ، وقد بلغك أخبار من مضى .
قال : فلما مات دفنته ، وطلبت الحضور عند الخليفة ، فلما أوقفت بين يديه قال : ما حاجتك ؟!!
قلت : هذا الخاتم دفعه إليّ رجل وأمرني أن أدفعه إليك ، وأوصاني بكلام أقوله لك. فلما نظر الخاتم عرفه فقال : ويحك وأين صاحب هذا الخاتم ؟!!
قال : فقلت : مات يا أمير المؤمنين. ثم ذكرت الكلام الذي أوصاني به ، وذكرت له أنه يعمل بالفاعل في كل جمعة يوما بدرهم وأربع دوانيق ، أو بدرهم ودانق ، يتقوت به سائر الجمعة ، ثم يقبل على العبادة.
قال : فلما سمع هذا الكلام قام فضرب بنفسه بالأرض وجعل يتمرغ ويتقلب ظهرا لبطن ويقول : والله لقد نصحتني يا بني ، ثم بكى ، ثم رفع رأسه إلى الرجل وقال : أتعرف قبره ؟!!
قلت : نعم!! أنا دفنته.
قال : إذا كان العشي فائتني.
فقال : فأتيته فذهب إلى قبره فلم يزل يبكي عنده حتى أصبح ، ثم أمر لذلك الرجل بعشرة آلاف درهم ، وكتب له ولعياله رزق .
المصدر
البداية والنهاية لابن كثير
وفيات الأعيان لابن خلكان
كتاب التوابين لابن قدامة المقدسي