مواضيع مهمة

بالصوت والصورة

ADS

?max-results="+numposts5+"&orderby=published&alt=json-in-script&callback=recentarticles8\"><\/script>");

من عهد النبي واصحابه

الجمعة، 21 أكتوبر 2016

عبدالله بن رواحة ( يا نفس, إلا تقتلي تموتي )

عبدالله بن رواحة  ( يا نفس, إلا تقتلي تموتي )

عندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مستخفيا من كفار قريش مع الوفد القادم من المدينة هناك عند مشارف مكة, يبايع اثني عشر نقيبا من الأنصار بيعة العقبة الأولى, كان هناك عبدالله بن رواحة واحدا من هؤلاء النقباء, حملة الإسلام إلى المدينة, والذين مهدّت بيعتهم هذه للهجرة التي كانت بدورها منطلقا رائعا لدين الله, والإسلام..
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبايع في العام التالي ثلاثة وسبعين من الأنصار أهل المدينة بيعة العقبة الثانية, كان ابن رواحة العظيم واحدا من النقباء المبايعين...
وبعد هجرة الرسول وأصحابه إلى المدينة واستقرارهم بها, كان عبدالله بن رواحة من أكثر الأنصار عملا لنصرة الدين ودعم بنائه, وكان من أكثرهم يقظة لمكايد عبد الله بن أبيّ الذي كان أهل المدينة يتهيئون لتتويجه ملكا عليها قبل أن يهاجر الإسلام إليها, والذي لم تبارح حلقومه مرارة الفرصة الضائعة, فمضى يستعمل دهاءه في الكيد للإسلام. في حين مضى عبدالله بن رواحة يتعقب هذا الدهاء ببصيرة منيرة, أفسدت على ابن أبيّ أكثر مناوراته, وشلّت حركة دهائه..!!
وكان ابن رواحة رضي الله عنه, كاتبا في بيئة لا عهد لها بالكتابة إلا يسيرا..
وكان شاعرا, ينطلق الشعر من بين ثناياه عذبا قويا .. ومنذ أسلم, وضع مقدرته الشعرية في خدمة الإسلام .. وكان الرسول يحب شعره ويستزيده منه..
جلس عليه السلام يوما مع أصحابه, وأقبل عبدالله بن رواحة, فسأله النبي:" كيف تقول الشعر إذا أردت أن نقول"..؟؟
فأجاب عبدالله:" أنظر في ذاك ثم أقول"..
ومضى على البديهة ينشد:

                                يا هاشم الخير إن الله فضّلكـــــــم               على البريّــــــــــــــة فضلا ما له غير

                                إني تفرّست فيك الخير أعرفـــــــه               فراســــــــة خالفتهم في الذي نظروا

                                ولو سألت أو استنصرت بعضهمو               في حلّ أمرك ما ردّوا ولا نصــــــروا

                                فثّبت الله ما آتــــــــــاك  من حسن                تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

فسرّ الرسول ورضي وقال له: " وإياك, فثّبت الله".. وحين كان الرسول عليه الصلاة والسلام يطوف بالبيت في عمرة القضاء كان ابن رواحة بين يديه ينشد من رجزه:

                                يا ربّ لولا أنت ما اهتدينا                  ولا تصدّقنــــــــــــا ولا صلينا

                                فأنزلن سكينــــــــــة علينا                  وثبّت الأقدام إن لاقينـــــــــــا

                             
وكان المسلمون يرددون أنشودته الجميلة.. وحزن الشاعر حين تنزل الآية الكريمة: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ)..الشعراء (224)
ولكنه يستردّ غبطة نفسه حين تنزل آية أخرى:
   ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)
                                                                                                                              الشعراء (227)
وحين يضطر الإسلام لخوض القتال دفاعا عن نفسه, يحمل ابن رواحة سيفه في مشاهد بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر جاعلا شعاره دوما هذه الكلمات من شعره وقصيده : " يا نفس إلا تقتلي تموتي"..
وصائحا في المشركين في كل معركة وغزاة:
                              خلوا بني الكفار عن سبيله                 خلوا, فكل الخير في رسوله
وجاءت غزوة مؤتة.. وكان عبدالله بن رواحة ثالث الأمراء, كما أسلفنا في الحديث عن زيد وجفعر .. ووقف ابن رواحة رضي الله عنه والجيش يتأهب لمغادرة المدينة .. وقف ينشد ويقول:

                            لكنني أســـــأل الرحمن مغفرة                وضربة ذات فرع وتقذف الزبدا

                            أو طعنـــة بيدي حرّان مجهرة                بحربــــــة تنفد الأحشاء والكبدا

                            حتى يقال إذا مرّوا على جدثي                يا أرشد الله من غاز, وقد رشدا

أجل تلك كانت أمنيته ولا شيء سواها.. ضربة سيف أو طعنة رمح, تنقله إلى عالم الشهداء والظافرين..!!

وتحرّك الجيش إلى مؤتة, وحين استشرف المسلمون عدوّهم حزروا جيش الروم بمائتي ألف مقاتل, إذ رأوا صفوفا لا آخر لها, وأعداد تفوق الحصر والحساب..!!
ونظر المسلمون إلى عددهم القليل, فوجموا.. وقال بعضهم " فلنبعث إلى رسول الله, نخبره بعدد عدوّنا, فإما أن يمدّنا بالرجال, وإمّا أن يأمرنا بالزحف فنطيع".. بيد أن ابن رواحة نهض وسط صفوفهم كالنهار, وقال لهم:
" يا قوم..إنا والله, ما نقاتل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به.. فانطلقوا.. فإنما هي إحدى الحسنيين, النصر أو الشهادة"...
وهتف المسلمون الأقلون عددا, الأكثرون إيمانا ,.. هتفوا قائلين : "قد والله صدق ابن رواحة"..
ومضى الجيش إلى غايته, يلاقي بعدده القليل مائتي ألف, حشدهم الروم للقتال الضاري الرهيب...
والتقى الجيشان كما ذكرنا من قبل..
وسقط الأمير الأول زيد بن حارثة شهيدا مجيدا..
وتلاه الأمير الثاني جعفر بن عبد المطلب حتى أدرك الشهادة في غبطة وعظمة..
وتلاه ثالث الأمراء عبدالله بن رواحة فحمل الراية من يمين جعفر.. وكان القتال قد بلغ ضراوته, وكادت القلة المسلمة تتوه في زحام العرمرم اللجب, الذي حشده هرقل..
وحين كان ابن رواحة يقاتل كجندي, كان يصول ويجول في غير تردد ولا مبالاة..
أما الآن, وقد صار أميرا للجيش ومسؤولا عن حياته, فقد بدا أمام ضراوة الروم, وكأنما مرّت به لمسة تردد وتهيّب, لكنه ما لبث أن استجاش كل قوى المخاطرة في نفسه وصاح..

                                أقسمت يا نفس لتنزلنّــه               مالي أراك تكرهين الجنّة؟؟

                                يا نفس إلا تقتلي تموتي               هذا حمام الموت قد صليت

                                وما تمنّت فقد أعطيــــت               إن تفعلي فعلهما هديــــــت

يعني بهذا صاحبيه الذين سبقاه إلى الشهادة: زيدا وجعفر.. "إن تفعلي فعلهما هديت.
انطلق يعصف بالروم عصفا.. ولا كتاب سبق بأن يكون موعده مع الجنة, لظلّ يضرب بسيفه حتى يفني الجموع المقاتلة.. لكن ساعة الرحيل قد دقّت معلنة بدء المسيرة إلى الله, فصعد شهيدا..
هوى جسده, فصعدت إلى الرفيق الأعلى روحه المستبسلة الطاهرة.. وتحققت أغلى أمانيه:

                            حتى يقال إذا مرّوا على جدثي                 يا أرشد الله من غار, وقد رشدا

                            نعم يا ابن رواحة.. . يا أرشد الله من غاز وقد رشدا..!!

وبينما كان القتال يدور فوق أرض البلقاء بالشام, كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه في المدينة, يحادثهم ويحادثونه .. وفجأة والحديث ماض في تهلل وطمأنينة, صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسدل جفنيه قليلا.. ثم رفعهما لينطلق من عينيه بريق ساطع يبلله أسى وحنان..!!
وطوفّت نظراته الآسية وجوه أصحابه وقال  " أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا. ثم أخذها جعفر فقاتل بها, حتى قتل شهيدا".. وصمت قليلا ثم استأنف كلماته قائلا: " ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها, حتى قتل شهيدا".. ثم صمت قليلا وتألقت عيناه بومض متهلل, مطمئن, مشتاق. ثم قال: " لقد رفعوا إلى الجنة"..!! أيّة رحلة مجيدة كانت .. وأي اتفاق سعيد كان .. لقد خرجوا إلى الغزو معا..
وكانت خير تحيّة توجّه لذكراهم الخالدة, كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد رفعوا إلى الجنة"..!!

المصدر كتاب رجال حول الرسول بتصرف

إستمتع و تابع أيضا :
عثمان نوري باشا
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )
عبدالله بن حذافة السهمي


كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

عبدالله بن عمرو بن العاص القانت الأوّاب

عبدالله بن عمرو بن العاص القانت الأوّاب

القانت, التائب, العابد, الأواب, الذي نستهل الحديث عنه الآن هو: عبدالله بن عمرو بن العاص..

 كان أبوه أستاذا في الذكاء والدهاء وسعة الحيلة.. كان هو أستاذا ذا مكانة عالية بين العابدين الزاهدين, الواضحين..
لقد أعطى العبادة وقته كله, وحياته ملها..
وثمل بحلاوة الإيمان, فلم يعد الليل والنهار يتسعان لتعبّده ونسكه..
ولقد سبق أباه إلى الإسلام, ومنذ وضع يمينه في يمين الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعا, وقلبه مضاء كالصبح النضير بنور الله ونور طاعته..
عكف أولا على القرآن الذي كان يتنزل منجّما, فكان كلما نزلت منه آيات حفظها وفهمها, حتى إذا تمّ واكتمل, كان لجميعه حافظا..
ولم يكن يحفظه ليكون مجرّد ذاكرة قوية, تضمّ بين دفتيها كتابا محفوظا..
بل كان يحفظه ليعمر به قلبه, وليكون بعد هذا عبده المطيع, يحلّ ما أحلّ, ويحرّم ما يحرّم, ويجيب له في كل ما يدعو إليه ثم يعكف على قراءته, وتدبّره وترتيله, متأنقا في روضاته اليانعات, محبور النفس بما تفيئه آياته الكريمة من غبطة, باكي العين بما تثيره من خشية..!!
كان عبدالله قد خلق ليكون قدّيسا عابدا, ولا شيء في الدنيا كان قادرا على أن يشغله عن هذا الذي خلق له, وهدي إليه..
إذا خرج جيش الإسلام إلى جهاد يلاقي فيه المشركين الذين يشنون عليه لحروب والعداوة, وجدناه في مقدمة الصفوف يتمنى الشهادة بروح محب, والحاح عاشق..!!
فإذا وضعت الحرب أوزارها, فأين نراه..؟؟
هناك في المسجد الجامع, أو في مسجد داره, صائم نهاره, قائم ليله, لا يعرف لسانه حديثا من أحاديث الدنيا مهما يكن حلالا, إنما هو رطب دائما بذكر الله, تاليا قرآنه, أو مسبّحا بحمده, أو مستغفرا لذنبه..
وحسبنا إدراكا لأبعاد عبادته ونسكه, أن نرى الرسول الذي جاء يدعو الناس إلى عبادة الله. يجد نفسه مضطرا للتدخل كما يجد من إيغال عبدالله في العبادة..!!
وهكذا إذا كان أحد وجهي العظة في حياة عبدالله بن عمرو, الكشف عما تزخر به النفس الإنسانية من قدرة فائقة على بلوغ أقضى درجات التعبّد والتجرّد والصلاح, فان وجهها الآخر هو حرص الدين على القصد والاعتدال في نشدان كل تفوّق واكتمال, حتى يبقى للنفس حماستها وأشواقها..
وحتى تبقى للجسد عافيته وسلامته..!!
لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبدالله بن عمرو بن العاص يقضي حياته على وتيرة واحدة..
وما لم يكن هناك خروج في غزوة فان أيامه كلها تتلخص في أنه من الفجر إلى الفجر في عبادة موصولة, صيام وصلاة, وتلاوة قرآن .. فاستدعاه النبي إليه, وراح يدعوه إلى القصد في عبادته..
قال له الرسول عليه الصلاة والسلام:
" ألم اخبر أنك تصوم النهار, ولا تفطر, وتصلي الليل لا تنام..؟؟
فحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام..
قال عبدالله:
إني أطيق أكثر من ذلك..
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
فحسبك أن تصوم من كل جمعة يومين..
قال عبدالله:
فاني أطيق أكثر من ذلك..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهل لك إذن في خير الصيام, صيام داود, كان يصوم يوما ويفطر يوما..
وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام يسأله قائلا:
وعلمت أنك تجمع القرآن في ليلة واني أخشى أن يطول بك العمر وأن تملّ قراءته..!!
اقرأه في كل شهر مرّة..     اقرأه في كل عشرة أيام مرّة..     اقرأه في كل ثلاث مرّة..
ثم قال له:  إني أصوم وأفطر .. وأصلي وأنام .. وأتزوج النساء, فمن رغب عن سنتي فليس مني".
ولقد عمّر عبدالله بن عمرو طويلا.. ولما تقدمت به السن ووهن منه العظم كان يتذكر دائما نصح الرسول فيقول:
" يا ليتني قبلت رخصة رسول الله"..
إن مؤمنا من هذا الطراز ليصعب العثور عليه في معركة تدور رحاها بين جماعتين من المسلمين.
فكيف حملته ساقاه إذن من المدينة إلى صفين حيث أخذ مكانا في جيش معاوية في صراعه مع الإمام علي..؟
الحق أن موقف عبدالله هذا, جدير بالتدبّر, بقدر ما سيكون بعد فهمنا له جديرا بالتوقير والإجلال..

رأينا كيف كان عبدالله بن عمرو مقبلا على العبادة إقبالا كاد يشكّل خطرا حقيقيا على حياته, الأمر الذي كان يشغل بال أبيه دائما, فيشكوه إلى رسول الله كثيرا.
وفي المرة الأخيرة التي أمره الرسول فيها بالقصد في العبادة وحدد له مواقيتها كان عمرو حاضرا, فأخذ الرسول يد عبدالله, ووضعها في يد عمرو ابن العاص أبيه.. وقال له:
" افعل ما أمرتك, وأطع أباك".
وعلى الرغم من أن عبدالله, كان بدينه وبخلق, مطيعا لأبويه فقد كان أمر الرسول له بهذه الطريقة وفي هذه المناسبة ذا تأثير خاص على نفسه.
وعاش عبدالله بن عمرو عمره الطويل لا ينسى لحظة من نهار تلك العبارة الموجزة.
" افعل ما أمرتك, وأطع أباك".
   وتتابعت في موكب الزمن أعوام وأيام
ورفض معاوية بالشام أن يبايع عليا..
ورفض علي أن يذعن لتمرّد غير مشروع.
وقامت الحرب بين طائفتين من المسلمين.. ومضت موقعة الجمل.. وجاءت موقعة صفين.
كان عمر بن العاص قد اختار طريقه إلى جوار معاوية وكان يدرك مدى إجلال المسلمين لابنه عبدالله ومدى ثقتهم في دينه, فأراد أن يحمله على الخروج ليكسب جانب معاوية بذلك الخروج كثيرا..
كذلك كان عمرو يتفاءل كثيرا بوجود عبدالله إلى جواره في قتال, وهو لا ينسى بلاءه معه في فتوح الشام, ويوم اليرموك.
فحين همّ بالخروج إلى صفين دعاه إليه وقال له:
يا عبدالله تهيأ للخروج, فانك ستقاتل معنا..
وأجابه عبدالله:
" كيف وقد عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أضع سيفا في عنق مسلم أبدا..؟؟
وحاول عمرو بدهائه إقناعه بأنهم إنما يريدون بخروجهم هذا أن يصلوا إلى قتلة عثمان وأن يثأروا لدمه الزكيّ.
ثم ألقى مفاجأته الحاسمة قائلا لولده:
" أتذكر يا عبدالله, آخر عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك: أطع أباك؟..
فاني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل".
وخرج عبدالله بن عمرو طاعة لأبيه, وفي عزمه ألا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما..
ولكن كيف يتم له هذا..؟؟
حسبه الآن أن يخرج مع أبيه.. أما حين تكون المعركة فلله ساعتئذ أمر يقضيه..!
ونشب القتال حاميا ضاريا..
ويختلف المؤرخون فيما إذا كان عبدالله قد اشترك في بدايته أم لا..
ونقول: بدايته.. لأن القتال لم يلبث إلا قليلا, حتى وقعت واقعة جعلت عبدالله بن عمرو يأخذ مكانه جهارا ضدّ الحرب, وضدّ معاوية..
وذلك إن عمّار بن ياسر كان يقاتل مع عليّ وكان عمّار موضع إجلال مطلق من أصحاب الرسول.. وأكثر من هذا, فقد تنبأ في يوم بعيد بمصرعه ومقتله.
كان ذلك والرسول وأصحابه يبنون مسجدهم بالمدينة اثر هجرتهم إليها..
وكانت الأحجار عاتية ضخمة لا يطيق أشد الناس قوة أن يحمل منها أكثر من حجر واحد.. لكن عمارا من فرط غبطته ونشوته, راح يحمل حجرين حجرين, وبصر به الرسول فتملاه بعينين دامعتين وقال : " ويح ابن سميّة, تقتله الفئة الباغية ".
سمع كل أصحاب رسول الله المشتركين في البناء يومئذ هذه النبوءة, ولا يزالون لها ذاكرين.
وكان عبدالله بن عمر أحد الذين سمعوا وفد بدء القتال بين جماعة عليّ وجماعة معاوية كان عمّار يصعد الروابي ويحرّض بأعلى صوته ويصيح " اليوم نلقى الأحبة, محمدا وصحبه".
وتواصى بقتله جماعة من جيش معاوية, فسددوا نحوه رمية آثمة, نقلته إلى عالم الشهداء الأبرار.
وسرى النبأ كالريح أن عمّار قد قتل..
وانقضّ عبدالله بن عمرو ثائرا مهتاجا : أوقد قتل عمار..؟ وأنتم قاتلوه..؟  إذن انتم الفئة الباغية أنتم المقاتلون على ضلالة..!!
وانطلق في جيش معاوية كالنذير, يثبط عزائمهم, ويهتف فيهم أنهم بغاة, لأنهم قتلوا عمارا وقد تنبأ له الرسول منذ سبع وعشرين سنة على ملأ من المسلمين بأنه ستقتله الفئة الباغية..
وحملت مقالة عبدالله إلى معاوية, ودعا عمرا وولده عبدالله, وقال لعمرو : " ألا تكف عنا مجنونك هذا..؟
قال عبدالله : ما أنا بمجنون ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: تقتلك الفئة الباغية.
فقال له معاوية : فلم خرجت معنا:؟
قال عبدالله : لأن رسول الله أمرني أن أطيع أبي, وقد  أطعته في الخروج, ولكني لا أقاتل معكم.
وإذ هما يتحاوران دخل على معاوية من يستأذن لقاتل عمار في الدخول, فصاح عبدالله بن عمرو : ائذن له وبشره بالنار.
وأفلتت مغايظ معاوية على الرغم من طول أناته, وسعة حلمه, وصاح بعمرو: أو ما تسمع ما يقول..
وعاد عبدالله في هدوء المتقين واطمئنانهم, يؤكد لمعاوية أنه ما قال إلا الحق, وأن الذين قتلوا عمارا ليسوا إلا بغاة..
والتفت صوب أبيه وقال : لولا أن رسول الله أمرني بطاعتك ما سرت معكم هذا المسير.
وخرج معاوية وعمرو يتفقدان جيشهما, فروّعا حين سمعوا الناس جميعا يتحدثون عن نبوءة الرسول لعمار: تقتلك الفئة الباغية.
وأحس عمرو ومعاوية أن هذه المهمة توشك أن تتحول إلى نكوص عن معاوية وتمرّد عليه.. ففكرا حتى وجدا حيلتهما التي مضيا يبثانها في الناس..
قالا:
نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار ذات يوم:
تقتلك الفئة الباغية..
ونبوءة الرسول حق..
وها هو ذا عمار قد قتل .. فمن قتله..؟؟ إنما قتله الذين خرجوا به, وحملوه معهم إلى القتال"..!!
وفي مثل هذا الهرج يمكن لأي منطق أن يروّج, وهكذا راج منطق معاوية وعمرو..
واستأنف الفريقان القتال..
وعاد عبدالله بن عمرو إلى مسجده, وعبادته .. وعاش حياته لا يملؤها بغير مناسكه وتعبّده..
غير أن خروجه إلى صفين مجرّد خروجه, ظل مبعوث قلق له على الدوام.. فكان لا تلم به  الذكرى حتى يبكي ويقول:
" مالي ولصفين..؟؟ مالي ولقتال المسلمين"..؟
وذات يوم وهو جالس في مسجد الرسول مع بعض أصحابه مرّ بهم الحسين بن علي رضي الله عنهما, وتبادلا السلام..
ولما مضى عنهم قال عبدالله لمن معه:
" أتحبون أن أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء..؟
انه هذا الذي مرّ بنا الآن الحسين بن علي..
وانه ما كلمني منذ صفين .. ولأن يرضى عني أحب إليّ من حمر النعم"..!!
واتفق مع أبي سعيد الخدري على زيارة الحسين .. وهناك في دار الحسين تم لقاء الأكرمين..
وبدأ عبدالله بن عمرو الحديث, فأتى على ذكر صفين فسأله الحسين معاتبا:
" ما الذي حملك على الخروج مع معاوية"..؟؟
قال عبدالله : " ذات يوم شكاني عمرو بن العاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : " إن عبدالله يصوم النهار كله, ويقوم الليل كله.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبدالله صل ونم.. وصم وافطر.. وأطع أباك..
ولما كان يوم صفين أقسم عليّ أبي أن أخرج معهم, فخرجت..
ولكن والله ما اخترت سيفا, ولا طعنت برمح, ولا رميت بسهم"..!!
وبينما هو يتوغل الثانية والسبعين من عمره المبارك..
وإذ هو في مصلاه, يتضرّع إلى ربه, ويسبّح بحمده دعي إلى رحلة الأبد, فلبى الدعاء في شوق عظيم..
وإلى إخوانه الذين سبقوه بالحسنى, ذهبت روحه تسعى وتطير..
والبشير يدعوها من الرفيق الأعلى:
( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)

المصدر كتاب رجال حول الرسول بتصرف

إستمتع و تابع أيضا :
عثمان نوري باشا
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )
عبدالله بن حذافة السهمي


كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

عبدالله بن الزبير

عبدالله بن الزبير ( أي رجل وأي شهيد )
المصدر كتاب رجال حول الرسول بتصرف
كان جنينا مباركا في بطن أمه, وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم.
هكذا قدّر لعبدالله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد, ولم تشقق عنه الأرحام..!!
وما كادت أمه أسماء رضي الله عنها وأرضاها, تبلغ قباء عند مشارف المدينة, حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين إلى أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من أصحاب رسول الله..!!
وحمل أول مولود في الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره بالمدينة فقبّله وحنّكه, وكان أول شيء دخل جوف عبدالله بن الزبير ريق النبي الكريم.
واحتشد المسلمون في المدينة, وحملوا الوليد في مهده, ثم طوّفوا به في شوارع المدينة كلها مهللين مكبّرين.
ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه المدينة كبتوا واشتعلت أحقادهم, وبدأوا حرب الأعصاب ضد المسلمين, فأشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين وسلطوا عليهم العقم, فلن تشهد المدينة منهم وليدا جديدا..
فلما أهلّ عبدالله بن الزبير عليهم من عالم الغيب, كان وثيقة دمغ بها القدر إفك يهود المدينة وأبطل كيدهم وما يفترون..!!
إن عبدالله لم يبلغ مبلغ الرجال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولكنه تلقى من ذلك العهد, ومن الرسول نفسه بحكم اتصاله الوثيق به, كل خامات رجولته ومبادئ حياته التي سنراها فيما بعد ملء الدنيا وحديث الناس..
لقد راح الطفل ينمو نموّا سريعا, وكان خارقا في حيويته, وفطنته وصلابته..
وارتدى مرحلة الشباب, فكان شبابه طهرا, وعفة ونسكا, وبطولة تفوق الخيال..
ومضى مع أيامه وقدره, لا تتغيّر خلائقه  .. إنما هو رجل يعرف طريقه, ويقطعه بعزيمة جبارة, وإيمان وثيق وعجيب..
وفي فتح افريقية والأندلس, والقسطنطينية. كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلا من أبطال الفتوح الخالدين..
وفي معركة افريقية بالذات وقف  المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألفا..
ودار القتال, وغشي المسلمين خطر عظيم..
وألقى عبد الله بن الزبير نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوتهم. وما كان هذا المصدر سوى ملك البربر وقائد الجيش, يصيح في جنوده ويحرضهم بطريقة تدفعهم إلى الموت دفعا عجيبا..
وأدرك عبدالله أن المعركة الضارية لن يحسمها سوى سقوط هذا القائد العنيد..
ولكن أين السبيل إليه, ودون بلوغه جيش لجب, يقاتل كالإعصار..؟؟
بيد أن جسارة ابن الزبير وإقدامه لم يكونا موضع تساؤل قط..!!
هنالك نادى بعض إخوانه, وقال لهم:
" احموا ظهري, واهجموا معي"...
وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم صامدا نحو القائد, حتى إذا بلغه, هو عليه في كرّة واحدة فهوى, ثم استدار بمن معه إلى الجنود الذين كانوا يحيطون بملكهم وقائدهم فصرعوهم.. ثم صاحوا الله أكبر..
ورأى المسلمون رايتهم ترتفع, حيث كان يقف قائد البربر يصدر أوامره ويحرّض جيشه, فأدركوا أنه النصر, فشدّوا شدّة رجل واحدة, وانتهى كل شيء لصالح المسلمين..
وعلم قائد الجيش المسلم عبدالله بن أبي سرح بالدور العظيم الذي قام به ابن الزبير فجعل مكافأته أن يحمل بنفسه بشرة النصر إلى المدينة والى خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه..
على أن بطولته في القتال كانت برغم تفوقها وإعجازها تتوارى أمام بطولته في العبادة.
فهذا الذي يمكن أن يبتعث فيه الزهو, وثني الأعطاف, أكثر من سبب, يذهلنا بمكانه الدائم والعالي بين الناسكين العابدين..
فلا حسبه, ولا شبابه, ولا مكانته ورفعته, ولا أمواله ولا قوته..
لا شيء من ذلك كله, استطاع أن يحول بين عبدالله بن الزبير وبين أن يكون العابد الذي يصوم يومه, ويقوم ليله, ويخشع لله خشوعا يبهر الألباب.
قال عمر بن عبدالعزيز يوما لابن أبي مليكة:صف لنا عبدالله بن الزبير..فقال:
" والله ما رأيت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفسه..
ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليها..
وكان يركع أو يسجد, فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله,
لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارا, أو ثوبا مطروحا..
ولقد مرّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي, فوالله ما أحسّ بها ولا اهتز لها, ولا قطع من أجلها قراءته, ولا تعجل ركوعه"..!!
إن الأنباء الصادقة التي يرويها التاريخ عن عبادة ابن الزبير لشيء يشبه الأساطير..
فهو في صيامه, وفي صلاته, وفي حجه, وفي علوّ همّته, وشرف نفسه..
في سهره طوال العمر قانتا وعبدا..
وفي ظمأ الهواجر طوال عمره صائما مجاهدا..
وفي إيمانه الوثيق بالله, وفي خشيته الدائمة له..
هو في كل هذا نسيج وحده..!
سئل عنه ابن عباس فقال على الرغم مما كان بينهما من خلاف:
" كان قارئا لكتاب الله, متبعا سنة رسوله.. قانتا لله, صائما في الهواجر من مخافة الله.. ابن حواريّ رسول الله.. وأمه أسماء بنت الصديق.. وخالته عائشة زوجة رسول الله.. فلا يجهل حقه فالا من أعماه الله"..!!
وهو في قوة خلقه وثبات سجاياه, يزري بثبات الجبال..
واضح شريف قوي, على استعداد دائم لأن يدفع حياته ثمنا لصراحته واستقامة نهجه..
أثناء نزاعه مع الأمويين زاره الحصين بن نمير قائد الجيش الذي أرسله يزيد لإخماد ثورة بن الزبير..
زاره اثر وصول الأنباء إلى مكة بموت يزيد..
وعرض عليه أن يذهب معه إلى الشام, ويستخدم الحصين نفوذه العظيم هناك في أخذ البيعة لابن الزبير..
فرفض عبدالله هذه الفرصة الذهبية,لأنه كان مقتنعا بضرورة القصاص من جيش الشام جزاء الجرائم البشعة التي ارتكبها رجاله من خلال غزوهم الفاجر للمدينة, خدمة لأطماع الأمويين..
قد نختلف مع عبدالله في موقفه هذا, وقد نتمنى لو أنه آثر السلام والصفح, واستجاب للفرصة النادرة التي عرضها عليه الحصين قائد يزيد..
ولكنّ وقفة الرجل أي رجل, إلى جانب اقتناعه واعتقاده.. ونبذه الخداع والكذب, أمر يستحق الإعجاب والاحترام..
وعندما هاجمه الحجاج بجيشه, وفرض عليه ومن معه حصارا رهيبا, كان من بين جنده فرقة كبيرة من الأحباش, كانوا من أمهر الرماة والمقاتلين..
ولقد سمعهم يتحدثون عن الخليفة الراحل عثمان رضي الله عنه, حديثا لا ورع فيه ولا إنصاف, فعنّفهم وقال لهم:" والله ما أحبّ أن أستظهر على عدوي بمن يبغض عثمان"..!!
ثم صرفهم عنه في محنة هو فيها محتاج للعون, حاجة الغريق إلى أمل..!!
إن وضوحه مع نفسه, وصدقه مع عقيدته ومبادئه, جعلاه لا يبالي بأن يخسر مائتين من أكفأ الرماة, لم يعد دينهم موضع ثقته واطمئنانه, مع أنه في معركة مصير طاحنة, وكان من المحتمل كثيرا أن يغير اتجاهها بقاء هؤلاء الرماة الأكفاء إلى جانبه..!!
ولقد كان صموده في وجه معاوية وابنه يزيد بطولة خارقة حقا..
فقد كان يرى أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين, إن كان يصلح على الإطلاق.. هو محق في رأيه, فـ يزيد هذا كان فاسدا في كل شيء.. لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها إلينا التاريخ..
فكيف يبايعه ابن الزبير؟؟
لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حي..
وها هو ذا يقولها ليزيد بعد أن صار خليفة, وأرسل إلى ابن الزبير يتوعده بشرّ مصير..
هناك قال ابن لزبر:
" لا أبايع السكّير أبدا".
ثم أنشد:
                ولا الين لغير الحق أساله                 حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

وظل ابن الزبير أميرا للمؤمنين, متخذا من مكة المكرّمة عاصمة خلافته, باسطا حكمه على الحجاز, واليمن والبصرة الكوفة وخراسان والشام كلها ما عدا دمشق بعد أن بايعه أهل الأمصار جميعا..
ولكن الأمويين لا يقرّ قرارهم, ولا يهدأ بالهم, فيشنون عليه حروبا موصولة, يبوءون في أكثرها بالهزيمة والخذلان..
حتى جاء عهد عبدالملك بن مروان حين ندب لمهاجمة عبدالله في مكة واحدا من أشقى بني آدم وأكثرهم إيغالا في القسوة والإجرام..
ذلكم هو الحجاج الثقفي الذي قال عنه الإمام العادل عمر بن عبدالعزيز:
" لو جاءت كل أمة بخطاياها, وجئنا نحن بالحجاج وحده, لرجحناهم جميعا"..!!

ذهب الحجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزو مكة عاصمة ابن الزبير, وحاصرها وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام, كي يحملهم على ترك عبدالله بن الزبير وحيدا, بلا جيش ولا أعوان.
وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون, ووجد عبدالله نفسه, وحيدا أو يكاد, وعلى الرغم من أن فرص النجاة بنفسه وبحياته كانت لا تزال مهيأة له, فقد قرر أن يحمل مسؤوليته إلى النهاية, وراح يقاتل جيش الحجاج في شجاعة أسطورية, وهو يومئذ في السبعين من عمره..!!
ولن نبصر صورة أمينة لذلك الموقف الفذ إلا إذا أصغينا للحوار الذي دار بين عبدالله وأمه. العظيمة المجيدة أسماء بنت أبي بكر في تلك الساعات الأخيرة من حياته.
لقد ذهب إليها, ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه, وللمصير الذي بدأ واضحا أنه ينتظره..
قالت له أسماء:
" يا بنيّ: أنت أعلم بنفسك, إن كنت تعلم أنك على حق, وتدعو إلى حق, فاصبر عليه حتى تموت في سبيله, ولا تمكّن من رقبتك غلمان بني أميّة..
وان كنت تعلم أنك أردت الدنيا, فلبئس العبد أنت, أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك.
قل عبد الله:
" والله يا أمّاه ما أردت الدنيا, ولا ركنت إليها.
وما جرت في حكم الله أبدا, ولا ظلمت ولا غدرت"..
قالت أمه أسماء:
" إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا إن سبقتني إلى الله أو سبقتك.
اللهم ارحم طول قيامه في الليل, وظمأه في الهواجر, وبرّه بأبيه وبي..
اللهم إني أسلمته لأمرك فيه, ورضيت بما قضيت, فأثبني في عبدالله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين.!"
وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته.
وبعد ساعة من الزمان انقضت في قتال مرير غير متكافئ, تلقى الشهيد العظيم ضربة الموت, في وقت استأثر الحجاج فيه بكل ما في الأرض من حقارة ولؤم, فأبى إلا أن يصلب الجثمان الهامد, تشفيا وخسّة..!!
وقامت أمه, وعمرها يومئذ سبع وتسعون سنة, قامت لترى ولدها المصلوب.
وكالطود الشامخ وقفت تجاهه لا تريم.. واقترب الحجاج منها في هوان وذلة قائلا لها:
يا أماه, إن أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا, فهل لك من حاجة..؟
فصاحت به قائلة:
" لست لك بأم .. إنما أنا أم هذا المصلوب على الثنيّة .. وما بي إليكم حاجة..
ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يخرج من ثقيف كذاب ومبير"..
فأما الكذاب فقد رأيناه, وأما المبير, فلا أراه إلا أنت"!!
وأقدم منها عبد الله بن عمر رضي الله عنه معزيا, وداعيا إياها إلى الصبر, فأجابته قائلة:
" وماذا يمنعني من الصبر, وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل"..!!
يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق..!!
أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبدالله بن الزبير عن رأسه قبل أن يصلبوه..؟؟
أجل.. إن يكن رأس ابن الزبير قد قدّم هديّة للحجاج وعبدالملك.. فإن رأس نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية لسالومي.. بغيّ حقيرة من بني إسرائيل!! .............. ما أروع التشبيه, وما أصدق الكلمات.
وبعد, فهل كان يمكن لعبدالله بن الزبير أن يحيا حياته دون هذا المستوى البعيد من التفوّق, والبطولة والصلاح, وقد رضع لبان أم من هذا الطراز..؟؟
سلام على عبدالله..
وسلام على أسماء..
سلام عليهما في الشهداء الخالدين..
وسلام عليهما في الأبرار المتقين.

إستمتع و تابع أيضا :

عثمان نوري باشا

العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )

عبدالله بن حذافة السهمي


كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

المشاركات الشائعة

 
copyright © 2013 بطولات إسلاميه و إنجازات
GooPlz Blogger Template Download. Powered byBlogger blogger templates