كانت مصر منذ القدم جوهرة التاج في العديد من الإمبراطوريات، بفضل موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية ولكن قبل أن تصبح جزءًا من الخلافة الإسلامية ، عاشت تحت وطأة حكم روماني بيزنطي قاسٍ .
تم فتح مصر فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه على يد الصحابى عمرو بن العاص عام 20 هـ / 641 م .
الوضع في مصر قبل فتح مصر
سؤال أولا : من الذي كان يحكم مصر قبل الفتح الاسلامي؟
ظلَّت مصر تحت الحُكم الروماني ما يزيد على أربعة قُرون ، ففي سنة 395م انقسمت الإمبراطوريَّة الرومانيَّة إلى قسمين شرقي وغربي ، وعلى الرُغم من استمرار فكرة وحدة الإمبراطوريَّة، فقد حكم إمبراطوران معًا ، واحد في الشرق وآخر في الغرب .
شهدت مصر في عهد الرومان اضطرابات سياسية ودينية ، حيث عانى المسيحيون الأقباط من التمييز و الاضطهاد و فرض الضرائب المبالغ فيها ، مما زاد من استعدادهم للانفتاح على ديانة جديدة توعد بالعدالة والمساواة .
الوضع في شبه الجزيرة العربية
في الوقت الذي كانت فيه مصر تعاني، كانت شبه الجزيرة العربية تشهد تحولات جذريّة مع ظهور الإسلام ، رسالة التوحيد التي حملها النبي محمد ﷺ وجدت صدى في نفوس الكثيرين، وسرعان ما انتشرت الدعوة الإسلامية إلى أرجاء الجزيرة .
دوافع المسلمين وراء فتح مصر
لم يكن الفتح الإسلامي لمصر مجرد غزو عسكري، بل كان نتيجة لدوافع متعددة، منها:
١- الدعوة إلى الإسلام: نشر الدين الإسلامي ودعوته إلى الله.
٢- تحرير المضطهدين : إنقاذ المسيحيين الأقباط من الاضطهاد الروماني البيزنطي .
٣- الأبعاد الاقتصادية والاستراتيجية: السيطرة على طريق التجارة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر .
٤- أمر الخليفة : بعد أن استقر الأمر للمسلمين في الشام، أمر الخليفة عمر بن الخطاب عمرو بن العاص بالتوجه إلى مصر، لما لها من أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة
٥- قطع الطريق على البيزنطيين : كان البيزنطيون يشكلون تهديدًا مستمرًا للمسلمين، لذلك كان فتح مصر يعني قطع الطريق على البيزنطيين ومنعهم من التمدد .
كيف تم فتح مصر على يد عمرو بن العاص ؟
أحداث فتح مصر و عمرو بن العاص
أرسل عمرو بن العاص رسالة إلي حاكم الإسكندرية، يدعوه للإسلام ، فرد برسالة ودية ، وأرسل لعمرو بن العاص بعض الهدايا القيمة ،
التحالف المؤقت
أبرم عمرو بن العاص و حاكم الإسكندرية اتفاقًا مؤقتًا، حيث وافق على مساعدة المسلمين في فتح مصر مقابل عدم إيذاء الأقباط وحماية ممتلكاتهم .
انطلق عمرو بن العاص من الشام حاملًا معه آمال المسلمين في توسيع رقعة الدولة الإسلامية ، كانت المهمة شاقة، ولكن عمرو بن العاص وجنوده كانوا عازمين على تحقيق النصر .
انقلاب الأحداث
رغم الاتفاق سرعان ما انقلبت الأمور ، حيث نقض الروم البيزنطيين عهدهم وهاجموا المسلمين ، مما إضطر عمرو بن العاص إلى مواجهتهم بالقوة، ونجح في تحقيق العديد من الانتصارات .
المواجهة الأولى
عند وصول الجيش إلى حدود مصر، واجهوا مقاومة شديدة من البيزنطيين الذين تحصنوا في العديد من الحصون والقلاع. دارت معارك عنيفة بين الطرفين، استطاع فيها المسلمون تحقيق انتصارات متتالية بفضل قيادة عمرو بن العاص الحكيمة وشجاعة جنوده.
الحملات الأولى
كانت الحملات الإسلامية علي الحدود المصرية سهله ، وتمكن المسلمون من تحقيق انتصارات متتالية، مثل فتح العريش ودخوف منطقة الفرما .
حصار بيلبيس
من أبرز المعارك التي خاضها عمرو بن العاص حصار مدينة بيلبيس. كانت المدينة محصنة بشكل جيد، وكان الروم يدافعون عنها بشراسة. استمر الحصار لعدة أشهر، حتى تمكن المسلمون أخيرًا من اقتحام المدينة وتحريرها .
فتح عين شمس
بعد الانتصار في بيلبيس ، توجه عمرو بن العاص إلى عين شمس، ودارت معركة عنيفة بين الطرفين ، حيث حقق المسلمون فيها نصرًا ساحقًا على الجيش البيزنطي بقيادة قائدهم الشهير بوق .
بناء مدينة الفسطاط
قرر عمرو بن العاص بناء مدينة جديدة في مصر، سماها الفسطاط. فأصبحت هذه المدينة عاصمة للإقليم الجديد، ومركزًا إداريًا وعسكريًا هامًا .
حصار الإسكندرية
كانت الإسكندرية آخر معاقل الروم في مصر، وكانت مدينة كبيرة محصنة بشكل جيد ،استخدم فيه المسلمون مختلف الآلات الحربية ، و استمر حصار الإسكندرية لعدة أشهر، حتى تمكن المسلمون أخيرًا من اقتحام المدينة وتحريرها .
استقبال أهل مصر للمسلمين
استقبل أهل مصر المسلمون بترحاب كبير، خاصة المسيحيون الأقباط الذين وجدوا في الإسلام ملاذًا آمنا من الاضطهاد .
نهاية الحملة
بفتح الإسكندرية ، اكتمل فتح مصر ، وأصبحت جزءًا من الدولة الإسلامية ، كان هذا الانتصار الكبير نتيجة لتخطيط عمرو بن العاص الحكيم ، وشجاعة جنوده، وإيمانهم القوي.
آثار فتح مصر ونتائجه على المجتمع المصري
أولا حب وتسامح - العيش المشترك : بعد فتح مصر عاش المسلمون والأقباط جنباً إلى جنب ، و أكد عمرو بن العاص على جنوده عدم إيذاء الأقباط ، كما أرسى دعائم التعايش السلمي ، تخيل صورة القرى المصرية حيث يشارك المسلمون والأقباط في الحصاد ، يربطهم خيط من الاحترام المتبادل .
ثانيا التسامح الديني : شهد التاريخ الإسلامي في مصر أمثلة عديدة على التسامح الديني ، فكان المسلمون يحترمون كنائس الأقباط ويحمونها ، حتي أن كبار القوم من المسلمين في وقتها كانوا يزورون الكنائس في المناسبات الدينية ، وكيف كان المسيحيون يشعرون بالأمان والاحترام.
ثالثا نهضة علمية : شهدت مصر نهضة علمية كبيرة بعد الفتح، حيث أسس المسلمون الجامعات والمكتبات ، ونقلوا العلوم والمعارف من الحضارات الأخري ، تخيل كم من طلبة العلم الذين كانو يتوافدون على المكتبات ، و ينهلون من العلوم والمعارف .
رابعا تطور الزراعة : اهتم المسلمون بتطوير الزراعة، مما أدى إلى زيادة الإنتاج وتحسين مستوى المعيشة ، حتي إن الفلاح المصري وهو يزرع أرضه، كيف كان يشعر بالفخر والاعتزاز بما يزرعه، ويعلم أن ثمار عمله ستعود علي أسرته وبلاده .
خامسا بناء الحضارة : أسس المسلمون حضارة عريقة في مصر، تزينت بآثارها ومعالمها التي لا تزال شاهدة على عظمة هذا العصر ، مثل الأزهر الشريف ومدينة الفسطاط والمساجد علي الطراز الإسلامي حتي سميت القاهره بمدينة الألف مئذنه ، لطالما عُرفت باسم "مدينة الألف مئذنة"، إذ تضم أغنى تنوّع للمساجد في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، واستُوحيت المساجد من أنماط معمارية متعددة، نتيجة الأثر الذي خلّفته الإمبراطوريات الحاكمة على مرً العصور، بما في ذلك العباسية، والفاطمية، والعثمانية، وغيرها .
سادسا مقاومة بعض الأقباط : لم يقبل بعض الأقباط بالفتح الإسلامي ، وشعر البعض بالخوف من التغيير الذي جاء به الإسلام، وتخوفوا من فقدان هويتهم ، لكن مع انتشار سماحة الإسلام ، ومع الصورة الصعبة التي كانو يعيشونها تحت حكم البيزنطيين دخل الغالبية منهم إلي دين الإسلام طواعية ، أما من بقي علي ديانته فقد إلتزم بدفع الجزيه وتقبلها بيسر ، ليس خوفا ولكن لأنها أقل بكثير مما كان يدفع أيام الروم البيزنطيين.
دور عمرو بن العاص في بناء الدولة الإسلامية في مصر
لعب عمرو بن العاص دورًا محوريًا في تأسيس الدولة الإسلامية في مصر بعد الفتح الإسلامي ، حيث من أبرز إنجازاته:
١- إنشاء الأجهزة الإدارية والقضائية مثل :
- الديوان: أنشأ ديوانًا ماليًا لجمع الضرائب وتنظيم الإنفاق.
- القضاء: أسس نظامًا قضائيًا يطبق الشريعة الإسلامية.
- الكتابة: اعتمد على الكتبة المصريين لتسجيل المعاملات وسجلات الدولة.
٢- تنظيم شؤون الري والزراعة :
- نيل مصر : أولى اهتمامًا كبيرًا بنهر النيل، شريان الحياة في مصر، وقام بتنظيم عملية الري وترتيب المحاصيل المزروعية .
- الزراعة: شجع الزراعة ووفر الحماية للمزارعين، مما أدى إلى ازدهار القطاع الزراعي.
- بناء المدن : أسس مدينة الفسطاط، أول عاصمة إسلامية لمصر، وخطط لبنائها وتنظيمها.
- تطوير البنية التحتية : اهتم بتطوير الطرق والقنوات لتسهيل التجارة والحركة بين المناطق.
أهمية دور عمرو بن العاص في فتح مصر
١- استقرار مصر: ساهم في تحقيق الاستقرار والأمن في مصر بعد فترة من الاضطرابات.
٢- انتشار الإسلام: ساعد على نشر الإسلام في مصر ودمجه مع الثقافة المصرية.
٣- ازدهار الاقتصاد: أدت سياساته إلى ازدهار الاقتصاد المصري وزيادة الإنتاج الزراعي والتجاري .
ترك فتح عمرو بن العاص مصر آثارًا عميقة على كامل المنطقة، حيث انتشر الإسلام بسرعة كبيرة ، فأصبحت مصر مركزًا علميًا وثقافيًا هامًا في العالم الإسلامي .