الريس ابن حميدو
عندما يذكر إسم ابن حميدو أمام المصريين ، فإن أول ما يتبادر إلى أذهانهم ، شخصية الممثل إسماعيل ياسين ، حين قام بتمثيل دور بحار ساذج فى فيلم ( ابن حميدو ) مع سفينته "نورماندي تو".
لكن مالا يعلمه الناس ان ابن حميدو في الأصل شخصية حقيقة ، لقد كان بحارا لا يشق له غبار ، وله بطولات وصولات في كل المحيطات ، بل و في النهاية توفي شهيدا .
ابن حميدو شخصية تاريخية جزائرية تحولت إلى أسطورة، حيث ارتبط اسمه بالشجاعة والإقدام في الدفاع عن شواطئ الجزائر ، ولكن كما هو الحال مع العديد من الشخصيات التاريخية ، فإن الحقيقة حول ابن حميدو غالبًا ما تختلط بالخيال والروايات الشعبية.
حكاية الريس حميدو الحقيقى
هو محمد بن علي الملقب بحميدو ، ولد في حي القصبة ( الجزائر العاصمة ) سنة 1770، وقيل ( 1773م ) ،كان أبوه خياطا بسيطا ومعروفا عند أهل القصبة ، وهو من عائلة جزائرية تعود جذورها إلى مدينة يسر ، ويسر هي عاصمة إمارة الثعالبة في القرن الرابع عشر الميلادي .
في سن الخامسة و العشرين أصبح ابن حميدو بحارا ، ثم ترقى من بحّار إلى ضابط ، ثم إلى أمير للبحر وأصبح يقود أسطولا في مياه مرسى وهران .
كان صعود الرايس حميدو وتسيّده على إمارة البحرية الجزائرية يتوافق مع قيام الثورة الفرنسية ومجيء نابليون للحكم ، وما أعقبه من فوضى عارمة في أوروبا ، تمكن خلالها الرايس حميدو من انتهاز هذه الفرصة لتقوية الأسطول الجزائري .
في إحدى معاركه البحرية ، استطاع أن يستولي على واحدة من أكبر سفن الأسطول البرتغالي ، وهي سفينة «البورتقيزية» المزودة بـ 44 مدفعا وعلى متنها 282 بحارا .
ثم أضاف إليها سفينة أميركية هي «أمريكانا» ، هذا بالإضافة إلى سفينته الخاصة ، وأصبح أسطوله الخاص هذه السفن الثلاث ، ومن أربعة وأربعين مدفعا فرضت سيادتها على البحر لأكثر من ربع قرن .
أميركا تدفع الضريبة للجزائر
في زمن قيادته للبحرية الجزائرية ، فرض الرايس حميدو ضريبة على الولايات المتحدة ، فبعد أن نالت أميركا استقلالها عن بريطانيا ، بدأت السفن الأميركية ترفع أعلامها لأول مرة ، اعتبارا من سنة 1783م، وأخذت تجوب البحار والمحبطات .
تعرض البحارة الجزائريون لسفن الولايات المتحدة، فاستولوا في يوليو 1785م على إحدى سفنها في مياه ( قادش ) .
بعد ذلك استولوا على إحدى عشرة سفينة أخرى ، تابعة للولايات المتحدة الأميركية ، وساقوها إلى السواحل الجزائرية .
نظرا ولحداثة استقلال الولايات المتحدة ولعدم امتلاكها قوة بحرية رادعة ، فقد كانت عاجزة عن استرداد سفنها بالقوة العسكرية ، لذا فقد اضطرت إلى الصلح وتوقيع معاهدة مع الجزائر في 5 سبتمبر 1795م .
بموجب هذه الاتفاقية تدفع واشنطن مبلغ ( 62 ألف دولار ذهبا ) للجزائر ، لقاء حرية المرور والحماية لسفنها في البحر المتوسط ، وتضمنت هذه المعاهدة 22 مادة مكتوبة باللغة التركية .
- تعد هذه الوثيقة من الوثائق النادرة والفريدة ، فهي تعد المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة غير الإنكليزية ، التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأميركية منذ تأسيسها حتى اليوم ، وفي الوقت نفسه تعد هي المعاهدة الوحيدة ، التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية ، وبمقتضاها استردت الولايات المتحدة أسراها ، وضمنت عدم تعرض البحارة الجزائريين لسفنها .
بعدها ببعض الوقت نشبت معركة كبرى بين قطع الأسطول الأميركي تسانده بعض قطع الأسطول البرتغالي على قول بعض المصادر ضد الأسطول الجزائري .
وبالرغم من تفوق السفن الجزائرية ، فإن قذيفة مدفع قوية أصابت الرايس حميدو مما أدى إلى مصرعه .
وكان ذلك في يوم ( 16 يونيو 1815) ، وأمّ حاكم البلاد حينها الداي ( عمر باشا ) شخصيا صلاة الغائب التي أداها الجزائريون على روح بطلهم الرايس حميدو، وأعلن الحداد في كل أنحاء الجزائر لمدة ثلاثة أيام .
الخلاصة أنه على الرغم من أن الكثير من القصص التي رويت عن ابن حميدو قد تكون مبالغ فيها ، إلا أن الحقيقة تبقى أن هذا الرجل كان بطلاً حقيقياً ضحى بحياته من أجل وطنه ، و سيظل مصدر إلهام للأجيال الجديدة .