مواضيع مهمة

Advertisement

بالصوت والصورة

ADS

من عهد النبي واصحابه

الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

أبو عبيدة بن الجرّاح ( أمين هذه الأمة )

أبو عبيدة بن الجرّاح ( أمين هذه الأمة )

أبو عبيدة بن الجرّاح ( أمين هذه الأمة )

من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه:" إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح"..
من هذا الذي أرسله النبي في غزوة ذات السلاسل مددا عمرو بن العاص, وجعله أميرا على جيش فيه أبو بكر وعمر..؟؟
هذا القوي الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه:
"لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه قلت : استخلفت أمين الله وأمين رسوله"
انه أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجرّاح..
أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للإسلام, قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم, وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية, ثم عاد منها ليقف إلى جوار رسوله في بدر, وأحد, وبقيّة الغزوات جميعها, ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحبة خليفته أبي بكر, ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر, نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد, وتقوى, وصمود وأمانة.
عندما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مدركا تمام الإدراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث (في سبيل الله) وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..
ومنذ بسط يمينه مبايعا وهو لا يرى في نفسه سوى أمانة استودعها الله إياها لينفقها في سبيله فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة.
ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الصحابه رأى الرسول في مسلك ضميره ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أهداه إليه
فقال عليه الصلاة والسلام : " أمين هذه الأمة, أبو عبيدة بن الجرّاح".
إن أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته لهي أبرز خصاله.. ففي غزوة أحد أحسّ من سير المعركة حرص المشركين لا على إحراز النصر في الحرب بل الحرص أكثرعلى اغتيالالرسول صلى الله عليه وسلم فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله في جيش الوثنية الذي جاء باغيا يريد أن يطفئ نور الله..
وفي إحدى جولاته وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه إذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي, وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف, حتى فرّقهم عنه, وطار صوب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه, ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:
" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم, وهو يدعهم إلى ربهم "
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخلا في وجنتي النبي, فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول, فسقطت ثنيّة, ثم نزع الحلقة الأخرى, فسقطت ثنيّة الثانية..وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:
" لما كان يوم أحد, ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر, أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا, فقلت: اللهم اجعله طاعة, حتى اذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني, فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركته فأخذ أبو عبيدة بثنيّة إحدى حلقتي المغفر, فنزعها, وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم ."
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت, كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فإذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة, والسفر بعيد, استقبل أبوعبيدة واجبه في تفان وغبطة, وراح هو وجنوده يقطعون الأرض, وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تملا, حتى اذا أوشك التمر أن ينتهي, يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيّدون الخبط (أي ورق الشجر بقسيّهم) فيسحقونه ويشربون عليه الماء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
ويوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين, وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والإسلام, قال لهم رسول الله :
"لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين حق أمين"
وسمع الصحابة هذا الثناء فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه, فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ما أحببت الإمارة قط حبّي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها فرحت إلى الظهر مهجّرا فلما صلى  بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره فجعلت أتطاول له ليراني.. فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح, فدعاه, فقال: أخرج معهم, فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة " .
إن هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره.. إنما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية
وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الإسلام في إحدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد مخافة ان يفتتن الناس بخالد ..لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد حتى استكتمه الخبر وكتمه هو في نفسه حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم..
وآنئذ, تقدّم إليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!
ويسأله خالد:" يرحمك الله يا أبا عبيدة ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"
فيجيبه أمين الأمة: " إني كرهت أن أكسر عليك حربك وما سلطان الدنيا نريد ولا للدنيا نعمل كلنا في الله إخوة".
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام ويصير تحت إمرته أكثر جيوش الإسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحدا من المقاتلين.
أما هو كأمير الأمراء, وقائد لأكثر جيوش الإسلام عددا, وأشدّها بأسا, وأعظمها فوزا..
أما هو كحاكم لبلاد الشام أمره مطاع ومشيئته نافذة.. كل ذلك ومثله معه, لا ينال من انتباهه لفتة وليس له في تقديره حساب أي حساب.
ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام, ويسأل مستقبليه:أين أخي..؟ فيقولون من..؟
فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.
ويأتي أبو عبيدة فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه إلى داره, فلا يجد  فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد إلا سيفه, وترسه ورحله..
ويسأله عمر وهو يبتسم: " ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"
فيجيبه أبو عبيدة: " يا أمير المؤمنين, هذا يبلّغني المقيل".
ذات يوم وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤون المسلمين جاءه الناعي أن قد مات أبو عبيدة..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..
وغاض الدمع, ففتح عينيه في استسلام..
وترحّم على صاحبه واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..
وأعاد مقالته عنه:
" لو كنت متمنيّا, ما تمنيّت إلا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة"..
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس واضطهاد الرومان..


كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

العباس بن عبد المطلب ( ساقي الحرمين )

العباس بن عبد المطلب ( ساقي الحرمين )

في عام الرمادة خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والمسلمون معه إلى يصلون صلاة الاستسقاء ووقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه ورفعها صوب السماء وقال:
  " اللهم إنا كنا نستقى بنبيك وهو بيننا.. اللهم وإنا اليوم نستسقي بعمّ نبيّك فاسقنا"..
ولم يغادروا مكانهم حتى جاءهم الغيث والمطر يزفّ البشرى ويمنح الريّ ويخصب الأرض..

وأقبل الصحابه على العباس بن عبد المطلب يعانقونه ويقبّلونه و يتبركون به وهم يقولون له : "هنيئا لك..ساقي الحرمين".. فمن كان ساقي الحرمين هذا..؟؟
كان الرسول يجلّه وكان يمتدحه ويطري سجاياه قائلا عنه : "هذه بقيّة آبائي".
وكما كان حمزة عمّ الرسول وتربه, كذلك كان العباس رضي الله عنه فلم يكن يفصل بينهما في سنوات العمر سوى سنتين أوثلاث تزيد في عمر العباس عن عمر الرسول و هكذا كان سيدنا محمد والعباس عمه طفلين من سن واحدة وشابين من جيل واحد فلم تكن القرابة القريبة وحدها آصرة ما بينهما من ودّ بل كانت كذلك زمالة السنّ وصداقة العمر.
وشيء آخر نضعه معايير النبي في المكان الأول دوما.. ذلك هو خلق العباس وسجاياه.
فلقد كان العباس جوّادا, مفرط الجود, حتى كأنه للمكارم عمّها أو خالها !
وكان أيضا فطنا إلى حدّ الدهاء وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش, استطاع أن يدرأ عن الرسول عليه الصلاة والسلام حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء..
كان حمزة كما رأينا في حديثنا عنه من قبل يعالج إفتراء  قريش وصلف أبي جهل بسيفه الماحق..
أما العباس فكان يعالجها بفطنة ودهاء أدّيا للإسلام من لنفع مثلما أدّت السيوف المدافعة عن حقه وحماه..!!
فالعباس لم يعلن إسلامه إلا عام فتح مكة مما جعل بعض المؤرخين يعدونه مع الذين تأخر إسلامه.
بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبئ بأنه كان من المسلمين المبكّرين, غير أنه كان يكتم إسلامه..
يقول أبو رافع خادم الرسول صلى الله عليه وسلم:
" كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب, وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت, فأسلم العباس, وأسلمت أم الفضل, وأسلمت... وكان العباس يكتم إسلامه"..
هذه رواية أبو رافع يتحدث بها عن حال العباس وإسلامه قبل غزوة بدر.. كان العباس إذن مسلما..
وكان مقامه بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه خطة أدت غايتها على خير نسق..
لم تكن قريش تخفي شكوكها في نوايا العباس ولكنها أيضا لم تكن تجد سبيلا لمحادّته, لا سيما وهو في ظاهر أمره على ما يرضون من منهج ودين..
حتى اذا جاءت غزوة بدر رأتها قريش فرصة تبلو بها سريرة العباس وحقيقته..
والعباس أدهى من أن يغفل عن اتجاهات ذلك المكر السيئ الذي تعالج به قريش حسراتها, وتنسج به مؤامراتها..
ولئن كان قد نجح في إبلاغ النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنباء قريش وتحرّكاتها, فان قريشا ستنجح في دفعه إلى معركة لا يؤمن بها ولا يريدها.. بيد أنه نجاح موقوت لن يلبث حتى ينقلب على القرشيين خسارا وبوارا..
ويلتقي الجمعان في غزوة بدر.. وتصطك السيوف في عنفوان رهيب, مقررة مصير كل جمع, وكل فريق..
وينادي الرسول في أصحابه قائلا:
" إن رجالا من بني هاشم, ومن غير بني هاشم, قد أخرجوا كرها, لا حاجة لهم بقتالنا.. فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله.. ومن لقي البختريّ بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله..
ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله, فانه إنما أخرج مستكرها"..
لم يكن الرسول بأمره هذا يخصّ عمّه العباس بميّزة فما تلك مناسبة المزايا ولا هذا وقتها..
وليس محمد عليه الصلاة والسلام من يرى رؤوس أصحابه تتهاوى في معرة الحق, ثم يشفع والقتال دائر لعمه, لو كان يعلم أن عمه من المشركين.. أجل..
إن الرسول الذي نهى عن أن يستغفر لعمه أبي طالب  على كثرة ما أسدى أبو طالب له وللإسلام من أياد وتضحيات.. ليس منطقا وبداهة من يجيء في غزوة بدر ليقول لمن يقتلون آباءهم وإخوانهم من المشركين: استثنوا عمي ولا تقتلوه..!!
أما اذا كان الرسول يعلم حقيقة عمه, ويعلم أنه يطوي على الإسلام صدره, كما يعلم أكثر من غيره, الخدمات غير المنظورة التي أدّاها للإسلام.. كما يعلم أخيرا أنه خرج مكرها ومحرجا فآنئذ يصير من واجبه أن ينقذ من هذا شأنه, وأن يعصم من القتل دمه ما استطاع لهذا سبيلا..
وإذا كان أبو البختري بن حارث  وهذا شأنه, قد ظفر بشفاعة الرسول لدمه حتى لا يهدر, ولحياته كي لا تزهق.. أفلا يكون جديرا بهذه الشفاعة, مسلم يكتم إسلامه... ورجل له في نصرة الإسلام مواقف مشهودة, وأخرى طوي عليها ستر الخفاء..؟؟
بلى ولقد كان العباس ذلك المسلم وذلك النصير ولنعد إلى الوراء قليلا لنرى..
في بيعة العقبة الثانية عندما قدم الى مكة في موسم الحاج وفد الأنصار, ثلاثة وسبعون رجلا وسيدتان, ليعطوا الله ورسوله بيعتهم, وليتفقوا مع النبي عليه الصلاة والسلام على الهجرة إلى المدينة, أنهى الرسول إلى عمه العباس نبأ هذا الوفد, وهذه البيعة.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يثق بعمه في رأيه كله..
ولما جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية, خرج الرسول وعمه العباس إلى حيث الأنصار ينتظرون..
وأراد العباس أن يعجم عود القوم ويتوثق للنبي منهم..
ولندع واحدا من أعضاء الوفد يروي لنا النبأ, كما سمع ورأى.. ذلكم هو كعب بن مالك رضي الله عنه:
".. وجلسنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب.. وتكلم العباس فقال: يا معشر الخزرج إن محمدا  منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا فهو في عز من قومه ومنعة في بلده وانه أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم.
فان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه, ومانعوه ممن خالفه, فأنتم وما تحملتم من ذلك..
وان كنتم ترون أنكم مسلموه خاذلوه بعد خروجه إليكم, فمن الآن فدعوه"..
كان العباس يلقي بكلماته الحازمة وعيناه تحدقان كعيني الصقر في وجوه النصر.. يتتبع وقع الكلام وردود فعله العاجلة..
ولم يكتف العباس بهذا فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى الحقيقة في مجالها المادي ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير..
هناك استأنف حديثه مع الأنصار بسؤال ذكي ألقاه, ذلك هو: " صفوا لي الحرب, كيف تقاتلون عدوّكم"؟
إن العباس بفطنته وتجربته مع قريش يدرك أن الحرب لا محالة قادمة بين الإسلام والشرك فقريش لن تتنازل عن دينها ومجدها وعنادها.
والإسلام ما دام حقا لن يتنازل للباطل عن حقوقه المشروعة..فهل الأنصار, أهل المدينة صامدون للحرب حين تقوم..؟؟
وهل هم من الناحية الفنية, أكفاء لقريش, يجيدون فنّ الكرّ والفرّ والقتال..؟؟
من اجل هذا ألقى سؤاله: " صفوا لي الحرب, كيف تقاتلون عدوّكم"..؟؟
كان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالأطواد...
ولم يكد العباس يفرغ من حديثه, لا سيما ذلك السؤال المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون..
وبدأ عبدالله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال:
" نحن, والله, أهل الحرب.. غذينا بها,ومرّنا عليها, وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر..
نرمي بالنبل حتى تفنى.. ثم نطاعن بالرماح حتى تنكسر..ثم نمشي بالسيوف, فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا"..!!
وأجاب العباس متهللا: " أنتم أصحاب حرب إذن, فهل فيكم دروع"..؟؟
قالوا: " نعم.. لدينا دروع شاملة"..
ثم دار حديث رائع وعظيم بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الأنصار.. حديث سنعرض له إن شاء الله فيما بعد.
هذا موقف العباس في بيعة العقبة..
وسواء عليه أكان يومئذ اعتنق الإسلام سرا, أم كان لا يزال يفكّر, فان موقفه العظيم هذا يحدد مكانه بين قوى الظلام الغارب, والشروق المقبل ويصوّر أبعاد رجولته ورسوخه..!!
ويوم يجيء حنين ليؤكد فدائية هذا الهادئ السمت, اللين الجانب, حينما تدعو الحاجة إليها, ويهيب المواقف بها, بينما هي في غير ذلك الظرف الملحّ, مستكنّة تحت الأضلاع, متوارية عن الأضواء..!!
في السنة الثامنة للهجرة وبعد أن فتح الله مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية أن يحقق الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة..
فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون. وقرروا شنّ حرب حاسمة ضدّ الرسول والمسلمين..
إن كلمة قبائل لا ينبغي أن تخدعنا عن طبيعة تلك الحروب التي كان يخوضها الرسول طوال حياته. فنظن أنها كانت مجرّد مناوشات جبلية صغيرة, فليس هناك حروب أشدّ ضراوة من حروب تلك القبائل في معاقلها..!!
احتشدت تلك القبائل في صفوف لجبة من المقاتلين الأشدّاء..
وخرج إليهم المسلمون في اثني عشر ألفا..
اثنا عشر ألفا..؟؟ وممن..؟؟
من الذين فتحوا مكة بالأمس القريب, وشيعوا الشرك والأصنام إلى هاويتها الأخيرة والسحيقة, وارتفعت راياتهم تملأ الأفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لها..!!
هذا شيء يبعث الزهو..
والمسلمون في آخر المطاف بشر, ومن ثم, فقد ضعفوا أمام الزهو الذي ابتعثته كثرتهم ونظامهم, وانتصارهم بمكة, وقالوا: " لن نغلب اليوم عن قلة".
ولما كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الحرب وأسمى, فان ركونهم إلى قوتهم العسكرية, وزهوهم  بانتصارهم الحربي, عمل غير صالح ينبغي أن يبرؤوا منه سريعا, ولو بصدمة شافية..
وكانت الصدمة الشافية هزيمة كبرى مباغتة في أول القتال, حتى اذا ضرعوا إلى الله, وبرؤوا من حولهم إلى حوله ومن قوتهم إلى قوته انقلبت الهزيمة نصرا ونزل القرآن الكريم يقول للمسلمين:
(.. ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا, وضاقت الأرض بما رحبت, ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين, وأنزل جنودا لم تروها, وعذب الذين كفروا, وذلك جزاء الكافرين).
كان صوت العباس يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال..
فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة ينتظرون مجيء عدوّهم, كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه وأنحائه, شاحذين أسلحتهم, ممسكين زمام المبادرة بأيديهم..
وعلى حين غفلة, انقضّوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة, جعلتهم يهرعون بعيدا, لا يلوي أحد على أحد..
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه الهجوم المفاجئ الخاطف على المسلمين, فعلا صهوة بغلته البيضاء, وصاح:
" إلى أين أيها الناس..؟ هلموا إليّ.. أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب"..
لم يكن حول النبي ساعتئذ سوى أبي بكر, وعمر, وعلي بن أبي طالب, والعباس بن عبد المطلب, وولده الفضل بن العباس, وجعفر بن الحارث, وربيعة بن الحارث, وأسامة بن زيد, وأيمن بن عبيد, وقلة أخرى من الأصحاب..
وكان هناك سيدة أخذت مكانا عاليا بين الرجال والأبطال.. تلك هي أم سليم بنت ملحان..
رأت ذهول المسلمين وارتباكهم, فركبت جمل زوجها أبي طلحة رضي الله عنهما, وهرولت بها نحو الرسول..
ولما تحرك جنينها في بطنها, وكانت حاملا, خلعت بردتها وشدّت بها على بطنها في حزام وثيق ولما انتهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة خنجرا في يمينها ابتسم لها الرسول وقال: " أم سليم؟؟"..
قالت: " نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله..
اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك, كما تقتل الذين يقاتلونك, فإنهم لذلك أهل"..
وازدادت البسمة ألقا على وجه الرسول الواثق بوعد ربه وقال لها:
" إن الله قد كفى وأحسن يا أم سليم"..!!
هناك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف, كان العباس إلى جواره, بل كان بين قدميه بخطام بغلته يتحدى الموت والخطر..
وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس, وكان العباس جسيما جهوري الصوت, فراح ينادي: " يا معشر الأنصار.. يا أصحاب البيعة"...
وكأنما كان صوته داعي القدر ونذيره..
فما كاد يقرع أسماع المرتاعين من هول المفاجأة, المشتتين في جنبات الوادي, حتى أجابوا في صوت واحد: " لبّيك.. لبّيك"..
وانقلبوا راجعين كالإعصار, حتى إن أحدهم ليحرن بعيره أو فرسه, فيقتحم عنها ويترجل, حاملا درعه وسيفه وقوسه, ميممّا صوب موت العباس.. ودارت المعركة من جديد.. ضارية, عاتية..
وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن حمي الوطيس".. وحمي الوطيس حقا..
وتدحرج قتلى هوزان وثقيف, وغلبت خيل الله خيل اللات, وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين..!!!
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العباس عمه حبا كبيرا, حتى إنه لم ينم يوم انتهت غزوة بدر, وقضى عمه ليله في الأسر..
ولم يخف النبي عليه السلام عاطفته هذه, فحين سئل عن سبب أرقه, وقد نصره الله نصرا مؤزرا أجاب:
" سمعت أنين العباس في وثاقه"..
وسمع بعض المسلمين كلمات الرسول, فأسرع إلى مكان الأسرى, وحلّ وثاق العباس, وعاد فأخبر  الرسول قائلا: " يا رسول الله..
إني أرخيت من وثاق العباس شيئا".. ولكن لماذا وثاق العباس وحده..؟
هنالك قال الرسول لصاحبه:" اذهب, فافعل ذلك بالأسرى جميعا".
أجل فحب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه لا يعني أن يميزه عن الناس الذين تجمعهم معه ظروف مماثلة..
وعندما تقرر أخذ الفدية من الأسرى, قال الرسول لعمه:
" يا عباس.. افد نفسك, وابن أخيك عقيل بن أبي طالب, ونوفل بن الحارث, وحليفك عتبة بن  عمرو وأخا بني الحارث بن فهر, فانك ذومال"..
وأرد العباس أن يغادر أسره بلا فدية, قائلا:
" يا رسول الله, إني كنت مسلما, ولكن القوم استكرهوني".. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أصرّ على الفدية, ونزل لقرآن الكريم في هذه المناسبة يقول: " يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم, والله غفور رحيم".
وهكذا فدى العباس نفسه ومن معه, وقفل راجعا إلى مكة.. ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه, فبعد حين جمع ماله وحمل متاعه, وأدرك الرسول بخيبر ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين.. وصار موضع حب المسلمين لا سيما وهم يرون تكريم الرسول له وحبه إياه وقوله عنه:" إنما العباس صنو أبي.. فمن آذى العباس فقد آذاني".
وأنجب العباس ذريّة مباركة.
وكان حبر الأمة عبدالله بن عباس واحدا من هؤلاء الأبناء المباركين.
في يوم الجمعة لأربع عشرة سنة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين سمع أهل العوالي بالمدينة مناديا ينادي: " رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب".
فأدركوا أن العباس قد مات..
وخرج الناس لتشييعه في أعداد هائلة لم تعهد المدينة مثلها.. وصلى عليه خليفة المسلمين يومئذ عثمان رضي الله عنه.
وتحت ثرى البقيع هدأ جثمان أبي الفضل واستراح..
ونام قرير العين, بين الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه

إستمتع و تابع أيضا :

كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

عبدالرحمن بن أبي بكر ( بطل حتى النهاية )

عبدالرحمن بن أبي بكر ( بطل حتى النهاية )

لقد كان في كفره رجلا.. وها هو ذا يسلم اليوم إسلام الرجال. فلا طمع يدفعه, ولا خوف يسوقه. وإنما هو اقتناع رشيد سديد أفاءته عليه هداية الله وتوفيقه.
وانطلق عبدالرحمن يعوّض ما فاته ببذل أقصى الجهد في سبيل الله, ورسوله والمؤمنين...
في أيام الرسول عليه صلاة الله وسلامه, وفي أيام خلفائه من بعده, لم يتخلف عبدالرحمن عن غزو, ولم يقعد عن جهاد مشروع..
ولقد كان له يوم اليمامة بلاء عظيم, وكان لثباته واستبساله دور كبير في هزيمة مسيلمة والمرتدين.. بل انه هو الذي أجهز على حياة محكم بن الطفيل, والذي كان العقل المدبر لمسيلمة, كما كان يحمي بقواته أهم مواطن الحصن الذي تحصّن جيش الردّة بداخله, فلما سقط محكم بضربة من عبدالرحمن رضي الله عنه , وتشتت الذين حوله, انفتح في الحصن مدخل واسع كبير تدفق منه مقاتلو المسلمين..
وازدادت خصال عبدالرحمن في ظل الإسلام مضاء وصقلا فولاؤه لاقتناعه وتصميمه مطلق على إتباع ما يراه صوابا وحقا, ورفضه المداهنة...
ففي يوم من الأيام قرر معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد بحد السيف.. فكتب إلى مروان عامله بالمدينة كتاب البيعة, وأمره إن يقرأه على المسلمين في المسجد..
وفعل مروان, ولم يكد يفرغ من قراءته حتى نهض عبدالرحمن بن أبي بكر ليحول الوجوم الذي ساد المسجد إلى احتجاج مسموع ومقاومة صادعة فقال:
" والله ما الأخيار أردتم لأمة محمد, ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية.. كلما مات هرقل قام هرقل"..!!
لقد رأى عبدالرحمن ساعتها كل الأخطار التي تنتظر الإسلام لو أنجز معاوية أمره هذا, وحوّل الحكم في الإسلام من شورى تختار بها الأمة حاكمها, إلى قيصرية أو كسروية تفرض على الأمة بحكم الميلاد والمصادفة قيصرا وراء قيصر..!!
لم يكد عبدالرحمن بن أبي بكر يصرخ في وجه مروان بهذه الكلمات القوارع, حتى أيّده فريق من المسلمين على رأسهم الحسين بن علي, وعبدالله بن الزبير, وعبدالله بن عمر..
ولقد طرأت فيما بعد ظروف قاهرة اضطرت الحسين وابن الزبير وابن عمر رضي الله عنهم إلى الصمت تجاه هذه البيعة التي قرر معاوية أن يأخذها بالسيف..
لكن عبدالرحمن بن أبي بكر ظل يجهر ببطلان هذه البيعة, وبعث إليه معاوية من يحمل مائة ألف درهم, يريد أن يتألفه بها, فألقاها ابن الصدّيق بعيدا وقال لرسول معاوية:
" ارجع إليه وقل له: إن عبدالرحمن لا يبيع دينه بدنياه"..
ولما علم بعد ذلك أن معاوية يشدّ رحاله قادما إلى المدينة غادرها من فوره إلى مكة..
وأراد الله أن يكفيه فتنة هذا الموقف وسوء عقباه..
فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بها حتى فاضت إلى الله روحه,, وحمله الرجال على الأعناق إلى أعالي مكة حيث دفن هناك, تحت ثرى الأرض التي شهدت جاهليته..
وشهدت إسلامه..!!
وكان إسلام رجل صادق, حرّ شجاع...

منقول بتصرف من كتاب  " رجال حول الرسول " 

إستمتع و تابع أيضا :
عثمان نوري باشا
بيري ريس و أول خريطه للعالم
مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )
عبدالله بن حذافة السهمي


كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

عبدالله بن مسعود ( أول من صدح بالقرآن )

عبدالله بن مسعود ( أول من صدح بالقرآن )


قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم, كان عبدالله بن مسعود قد آمن به, وأبح سادس ستة أسلموا واتبعوا الرسول, عليه وعليهم الصلاة والسلام..
ذلك أنها أمنية رجل كبير القلب, عظيم النفس, وثيق اليقين.. رجل هداه الله, وربّاه الرسول, وقاده القرآن..!

هو من الأوائل المبكرين.. ولقد تحدث عن أول لقاء له برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
" كنت غلاما يافعا, أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم, وأبوبكر فقالا: يا غلام,هل عندك من لبن تسقينا..؟؟
فقلت: إني مؤتمن, ولست ساقيكما..
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل عندك من شاة حائل, لم ينز عليها الفحل..؟
قلت: نعم..
فأتيتهما بها, فاعتلفها النبي ومسح الضرع.. ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة, فاحتلب فيها, فشرب أبو بكر ثم شربت..ثم قال للضرع: أقلص, فقلص..
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد لك, فقلت: علمني من هذا القول.
فقال: انك غلام معلم"...
لقد انبهر عبدالله بن مسعود حين رأى سيدنا رسوله الله الأمين يمسح ضرعا لا عهد له باللبن بعد, فهذا هو يعطي من خير الله ورزقه لبنا خالصا سائغا للشاربين..!!
وما كان يدري يومها, أنه إنما يشاهد أهون المعجزات وأقلها شأنا, وأنه عما قريب سيشهد من هذا الرسول الكريم معجزات تهز الدنيا, وتملؤها هدى ونور..
بل ما كان يدري يومها, أنه وهو ذلك الغلام الفقير الضعيف الأجير الذي يرعى غنم  عقبة بن معيط, سيكون إحدى هذه المعجزات يوم يخلق الإسلام منه منه مؤمنا بإيمانه كبرياء قريش, ويقهر جبروت ساداتها..
فيذهب وهو الذي لم يكن يجرؤ أن يمر بمجلس فيه أشراف مكة إلا مطرق الرأس.. يذهب بعد إسلامه إلى مجمع أشراف قريش عند الكعبة وكل سادات قريش وزعمائها هنالك جالسون فيقف على رؤوسهم. ويرفع صوته بقرآن الله:
( الرحمن, علّم القرآن, خلق الإنسان, علّمه البيان, الشمس والقمر بحسبان, والنجم والشجر يسجدان).
ويواصل قراءته وزعماء قريش مشدوهون, لا يصدقون أعينهم التي ترى.. ولا آذانهم التي تسمع.. ولا يتصورون أن هذا الذي يتحدى بأسهم.. وكبريائهم..إنما هو أجير واحد منهم, وراعي غنم لشريف من شرفائهم.. عبدالله بن مسعود الفقير المغمور..!!
الزبير رضي الله عنه يقول عنه :
" كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة, عبدالله بن مسعود رضي الله عنه, إذ اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : والله ما سمعت قريش مثل هذا القرآن يجهر لها به قط, فمن رجل يسمعهموه..؟؟
فقال عبدالله بن مسعود:أنا..
قالوا: إنا نخشاهم عليك, إنما نريد رجلا له عشيرته يمنعونه من القوم إن أرادوه..
قال: دعوني, فان الله سيمنعني..
فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها, فقام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم _رافعا صوته_ الرحمن.. علم القرآن, ثم استقبلهم يقرؤها..
فتأملوه قائلين: ما يقول ابن أم عبد..؟؟ انه ليتلو بعض ما جاء به محمد..
فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه, وهو ماض في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ..
ثم عاد إلى أصحابه مصابا في وجهه وجسده, فقالوا له:هذا الذي خشينا عليك..
فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن, ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها غدا..
قالوا: حسبك, فقد أسمعتهم ما يكرهون"..!!
ولقد صدقت فيه نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام يوم قال له: " انك غلام معلّم" فقد علمه ربه, حتى صار فقيه الأمة, وعميد حفظة القرآن جميعا.
يقول على نفسه : " أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة, لا ينازعني فيها أحد"..
وكأنما أراد الله مثوبته حين خاطر بحياته في سبيل الجهر بالقرآن وإذاعته في كل مكان بمكة أثناء سنوات الاضطهاد والعذاب فأعطاه سبحانه موهبة الأداء الرائع في تلاوته, والفهم السديد في إدراك معانيه..
ولقد كان رسول الله يوصي أصحابه أن يقتدوا بابن مسعود فيقول: " تمسّكوا بعهد ابن أم عبد".
ويوصيهم بأن يحاكوا قراءته,ويتعلموا منه كيف يتلو القرآن.
يقول عليه السلام: " من أحب أن يسمع القرآن غصّا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد"..
" من أحب أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل, فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"..!!
ولطالما كان يطيب لرسول الله عليه السلام أن يستمع للقرآن من فم ابن مسعود..
دعاه يوما الرسول, وقال له: " اقرأ عليّ يا عبد الله"..
قال عبد الله: " أقرأ عليك, وعليك أنزل يا رسول الله"؟!
فقال له الرسول:"إني أحب أن أسمعه من غيري"..
فأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حتى وصل إلى قوله تعالى:
(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا..يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بهم الأرض..ولا يكتمون الله حديثا)..
فغلب البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفاضت عيناه بالدموع, وأشار بيده إلى ابن مسعود:
أن" حسبك.. حسبك يا ابن مسعود"..
وتحدث هو بنعمة الله فقال:
" والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل, وما أحد أعلم بكتاب الله مني, ولو أعلم أحدا تمتطى إليه الإبل أعلم مني بكتاب الله لأتيته وما أنا بخيركم"!!
ولقد شهد له بهذا السبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: " لقد ملئ فقها"..
وقال أبو موسى الأشعري: " لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم"
ولم يكن سبقه في القرآن والفقه موضع الثناء فحسب.. بل كان كذلك أيضا سبقه في الورع والتقى.
يقول عنه حذيفة:
" ما رأيت أحدا أشبه برسول الله في هديه, ودلّه, وسمته من ابن مسعود...
ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد لأقربهم إلى الله زلفى"..!!
واجتمع نفر من الصحابة يوما عند علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه فقالوا له:
"يا أمير المؤمنين, ما رأينا رجلا كان أحسن خلقا ولا أرفق تعليما, ولا أحسن مجالسة, ولا أشد ورعا من عبدالله بن مسعود..
قال علي: نشدتكم الله, أهو صدق من قلوبكم..؟؟
قالوا: نعم..
قال: اللهم إني أشهدك.. اللهم إني أقول مثل ما قالوا  أو أفضل..
لقد قرأ القرآن فأحلّ حلاله, وحرّم حرامه..فقيه في الدين, عالم بالسنة"..!
وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يتحدثون عن عبدالله بن مسعود فيقولون:
" إن كان ليؤذن له اذا حججنا, ويشهد إذا غبنا"..
وهم يريدون بهذا, أن عبد الله رضي الله عنه كان يظفر من الرسول صلى الله عليه وسلم بفرص لم يظفر بها سواه فيدخل عليه بيته أكثر مما يدخل غيره  ويجالسه أكثر مما يجالس سواه أحدا آخر وكان دون غيره من الصّحب موضع سرّه ونجواه, حتى كان يلقب بـصاحب السواد أي صاحب السر..
يقول أبو موسى الشعري رضي الله عنه: "لقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام, وما أرى إلا ابن مسعود من أهله"..
ذلك أن النبي  صلى الله عليه وسلم كان يحبّه حبا عظيما, وكان يحب فيه ورعه وفطنته, وعظمة نفسه.. حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:
" لو كنت مؤمّرا أحدا دون شورى المسلمين, لأمّرت ابن أم عبد"..
وقد مرّت بنا من قبل, وصية  الرسول لأصحابه: " تمسكوا بعهد ابن أم عبد"...
وهذا الحب, وهذه الثقة أهلاه لأن يكون شديد القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأعطي ما لم يعط أحد غيره حين قال له الرسول عليه الصلاة والسلام:" إذنك عليّ أن ترفع الحجاب"..
فكان هذا إيذانا بحقه في أن يطرق باب الرسول عليه أفضل السلام في أي وقت يشاء من ليل أو نهار...
وهكذا قال عنه أصحابه: " كان يؤذن له اذا حججنا, ويشهد اذا غبنا"..
ولقد كان ابن مسعود أهلا لهذه المزيّة.. فعلى الرغم من أن الخلطة الدانية على هذا النحو, من شأنها أن ترفع الكلفة, فان ابن مسعود لم يزدد بها إلا خشوعا, وإجلالا, وأدبا..
وعلى الرغم من ندرة تحدثه عن الرسول عليه السلام, نجده اذا حرّك شفتيه ليقول: سمعت رسول الله يحدث ويقول: سمعت رسول الله  يحدث ويقول... تأخذه الرّعدة الشديدة ويبدو عليه الاضطراب والقلق, خشية أن ينسى فيضع حرفا مكان حرف..!!
ولنستمع لإخوانه يصفون هذه الظاهرة..
يقول عمرو بن ميمون: " اختلفت إلى عبدالله بن مسعود سنة, ما سمعه يتحدث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله, فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدّر عن جبهته, ثم قال مستدركا قريبا من هذا قال الرسول"..!!
ويقول علقمة بن قيس: " كان عبدالله بن مسعود يقوم عشيّة كل خميس متحدثا, فما سمعته في عشية منها يقول: قال رسول الله غير مرة واحدة.. فنظرت إليه وهو معتمد على عصا, فإذا عصاه ترتجف, وتتزعزع"..!!
ويحدثنا مسروق  عن عبدالله:
" حدّث ابن مسعود يوما حديثا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم أرعد وأرعدت ثيابه.. ثم قال:أو نحو ذا.. أو شبه ذا"..!!
إلى هذا المدى العظيم بلغ إجلاله رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبلغ توقيره إياه, وهذه أمارة فطنته قبل أن تكون أمارة تقاه..!!
لم يكن يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر, ولا في حضر.. ولقد شهد المشاهد كلها جميعها.. وكان له في يوم بدر شأن مذكور مع أبو جهل الذي حصدته سيوف المسلمين في ذلك اليوم الجليل.. وعرف خلفاء الرسول وأصحابه له قدره.. فولاه أمير المؤمنين عمر على بيت المال في الكوفة. وقال لأهلها حين أرسله إليهم:
" إني والله الذي لا اله إلا هو, قد آثرتكم به على نفسي, فخذوا منه وتعلموا".
ولقد أحبه أهل الكوفة حبا جما لم يظفر بمثله أحد قبله, ولا أحد مثله.. وإجماع أهل الكوفة على حب إنسان, أمر يشبه المعجزات.. ذلك أنهم أهل تمرّد ثورة, لا يصبرون على طعام واحد..!! ولا يطيقون الهدوء والسلام..
ولقد بلغ من حبهم له أن أطاحوا به حين أراد الخليفة عثمان رضي الله عنه عزله عن الكوفة وقالوا له:" أقم معنا ولا تخرج, ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه منه"..
ولكن ابن مسعود أجابهم بكلمات تصوّر عظمة نفسه وتقاه, إذ قال لهم: " إن له عليّ الطاعة, وإنها ستكون أمور وفتن, ولا أحب أن يكون أول من يفتح أبوابها"..!!
إن هذا الموقف الجليل الورع يصلنا بموقف ابن مسعود من الخليفة عثمان.. فلقد حدث بينهما حوار وخلاف تفاقما حتى حجب عن عبدالله راتبه ومعاشه من بيت المال ومع ذلك لم يقل في عثمان رضي الله عنه كلمة سوء واحدة..
بل وقف موقف المدافع والمحذر حين رأى التذمّر في عهد عثمان يتحوّل إلى ثورة..وحين ترامى إلى مسمعه محاولات اغتيال عثمان رضي الله عنه قال كلمته المأثورة: " لئن قتلوه, لا يستخلفون بعده مثله".
ويقول بعض أصحاب ابن مسعود:
" ما سمعت ابن مسعود يقول في عثمان سبّة قط"..
  ولقد آتاه الله الحكمة مثلما أعطاه التقوى.
وكان يملك القدرة على رؤية الأعماق, والتعبير عنها في أناقة وسداد..
لنستمع له مثلا  وهو يلخص حياة عمر  العظيمة في تركيز باهر فيقول: " كان إسلامه فتحا.. وكانت هجرته نصرا.. وكانت أمارته رحمة..".
ويتحدث عما نسميه اليوم نسبية الزمان فيقول: " إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار.. نور السموات والأرض من نور وجهه"..!!
ويتحدث عن العمل وأهميته في رفع المستوى الأدبي لصاحبه, فيقول:" إني لأمقت الرجل, إذ أراه فارغا.. ليس في شيء من عمل الدنيا, ولا عمل الآخرة"..
ومن كلماته الجامعة:
" خير الغنى غنى النفس , وخير الزاد التقوى, وشر العمى عمى القلب, وأعظم الخطايا الكذب, وشرّ المكاسب الربا, وشرّ المأكل مال اليتيم, ومن يعف الله عنه, ومن يغفر الله له"..
هذا هو عبدالله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو الرجل الذي كان جسمه في حجم العصفور..!!
نحيف, قصير, يكاد الجالس يوازيه طولا وهو قائم..
له ساقان ناحلتان دقيقتان.. صعد بهما يوما أعلى شجرة يجتني منها أراكا لرسول اله صلى الله عليه وسلم.. فرأى أصحاب النبي دقتهما فضحكوا, فقال عليه الصلاة والسلام:
" تضحكون من ساقيْ ابن مسعود, لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد"..!!
أجل هذا هو الفقير الأجير, الناحل الوهنان.. الذي جعل منه إيمانه ويقينه إماما من أئمة الخير والهدى والنور..
ولقد حظي من توفيق الله ومن نعمته ما جعله أحد العشرة الأوائل بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.. أولئك الذين بشروا وهم على ظهر الأرض برضوان الله وجنّته..
ولم تكن له من أمانيّ الحياة سوى أمنية واحدة كان يأخذه الحنين إليها فيرددها, ويتغنى بها, ويتمنى لو أنه أدركها..
ولنصغ  إليه يحدثنا بكلماته عنها:
" قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.. فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فأتبعتها أنظر إليها, فإذا رسول الله, وأبوبكر وعمر, وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته, وأبو بكر وعمر يدليانه إليه, والرسول يقول: أدنيا إلي أخاكما.. فدلياه إليه, فلما هيأه للحده قال: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه.. فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة"..!!
تلك أمنيته الوحيد التي كان يرجوها في دنياه.
وهي لا تمت بسبب إلى ما يتهافت الناس عليه من مجد وثراء, ومنصب وجاه..


منقول بتصرف من كتاب  " رجال حول الرسول " 


إستمتع و تابع أيضا :
عثمان نوري باشا
بيري ريس و أول خريطه للعالم
مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )



كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

المشاركات الشائعة

 
copyright © 2013 بطولات إسلاميه
GooPlz Blogger Template Download. Powered byBlogger blogger templates