أبو عبيدة بن الجرّاح ( أمين هذه الأمة )
أبو عبيدة بن الجرّاح ( أمين هذه الأمة )
من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه:" إن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح"..
من هذا الذي أرسله النبي في غزوة ذات السلاسل مددا عمرو بن العاص, وجعله أميرا على جيش فيه أبو بكر وعمر..؟؟
هذا القوي الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه:
"لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه قلت : استخلفت أمين الله وأمين رسوله"
انه أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجرّاح..
أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للإسلام, قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم, وهاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية, ثم عاد منها ليقف إلى جوار رسوله في بدر, وأحد, وبقيّة الغزوات جميعها, ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحبة خليفته أبي بكر, ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر, نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد, وتقوى, وصمود وأمانة.
عندما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مدركا تمام الإدراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث (في سبيل الله) وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..
ومنذ بسط يمينه مبايعا وهو لا يرى في نفسه سوى أمانة استودعها الله إياها لينفقها في سبيله فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة.
ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الصحابه رأى الرسول في مسلك ضميره ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أهداه إليه
فقال عليه الصلاة والسلام : " أمين هذه الأمة, أبو عبيدة بن الجرّاح".
إن أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته لهي أبرز خصاله.. ففي غزوة أحد أحسّ من سير المعركة حرص المشركين لا على إحراز النصر في الحرب بل الحرص أكثرعلى اغتيالالرسول صلى الله عليه وسلم فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله في جيش الوثنية الذي جاء باغيا يريد أن يطفئ نور الله..
وفي إحدى جولاته وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه إذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي, وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف, حتى فرّقهم عنه, وطار صوب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه, ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخلا في وجنتي النبي, فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول, فسقطت ثنيّة, ثم نزع الحلقة الأخرى, فسقطت ثنيّة الثانية..وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:
" لما كان يوم أحد, ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر, أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا, فقلت: اللهم اجعله طاعة, حتى اذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني, فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركته فأخذ أبو عبيدة بثنيّة إحدى حلقتي المغفر, فنزعها, وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم ."
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت, كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فإذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة, والسفر بعيد, استقبل أبوعبيدة واجبه في تفان وغبطة, وراح هو وجنوده يقطعون الأرض, وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تملا, حتى اذا أوشك التمر أن ينتهي, يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيّدون الخبط (أي ورق الشجر بقسيّهم) فيسحقونه ويشربون عليه الماء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
ويوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين, وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والإسلام, قال لهم رسول الله :
"لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين حق أمين حق أمين"
وسمع الصحابة هذا الثناء فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه, فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ما أحببت الإمارة قط حبّي إياها يومئذ رجاء أن أكون صاحبها فرحت إلى الظهر مهجّرا فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره فجعلت أتطاول له ليراني.. فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح, فدعاه, فقال: أخرج معهم, فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة " .
إن هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره.. إنما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية
وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الإسلام في إحدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد مخافة ان يفتتن الناس بخالد ..لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد حتى استكتمه الخبر وكتمه هو في نفسه حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم..
وآنئذ, تقدّم إليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!
ويسأله خالد:" يرحمك الله يا أبا عبيدة ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"
فيجيبه أمين الأمة: " إني كرهت أن أكسر عليك حربك وما سلطان الدنيا نريد ولا للدنيا نعمل كلنا في الله إخوة".
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام ويصير تحت إمرته أكثر جيوش الإسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحدا من المقاتلين.
أما هو كأمير الأمراء, وقائد لأكثر جيوش الإسلام عددا, وأشدّها بأسا, وأعظمها فوزا..
أما هو كحاكم لبلاد الشام أمره مطاع ومشيئته نافذة.. كل ذلك ومثله معه, لا ينال من انتباهه لفتة وليس له في تقديره حساب أي حساب.
ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام, ويسأل مستقبليه:أين أخي..؟ فيقولون من..؟
فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.
ويأتي أبو عبيدة فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه إلى داره, فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد إلا سيفه, وترسه ورحله..
ويسأله عمر وهو يبتسم: " ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"
فيجيبه أبو عبيدة: " يا أمير المؤمنين, هذا يبلّغني المقيل".
ذات يوم وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤون المسلمين جاءه الناعي أن قد مات أبو عبيدة..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..
وغاض الدمع, ففتح عينيه في استسلام..
وترحّم على صاحبه واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..
وأعاد مقالته عنه:
" لو كنت متمنيّا, ما تمنيّت إلا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة"..
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس واضطهاد الرومان..
إستمتع و تابع أيضا :
عثمان نوري باشا
شكري القواتلى يوم أن كانت سوريا
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )
عبدالله بن حذافة السهمي
عثمان نوري باشا
شكري القواتلى يوم أن كانت سوريا
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )
عبدالله بن حذافة السهمي
كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع مصادرنا من المراجع والكتب نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته