وما أدراك ما هي غزوة الأحزاب .... من شدتها علي المسلمين .
غزوة الخندق
والمعروفة أيضًا بإسم غزوة الأحزاب ، وقعت في السنة الخامسة للهجرة وهي واحدة من أعظم غزوات النبي ﷺ في تاريخ الإسلام .
جاءت هذه الغزوة عندما قامت قريش بالتحالف مع عدد من القبائل العربية واليهودية ، بهدف الهجوم على المدينة المنورة ، رغبة في القضاء على الدولة الإسلامية الناشئة .
أسباب غزوة الخندق
1. تحالف القبائل واليهود : بعد هزيمة قريش في غزوة أحد، سعت قريش إلى استعادة هيبتها وتوجيه ضربة قاضية للمسلمين ، لذا قامت بتشكيل تحالف مع قبائل غطفان، بنو أسد ، بنو سليم ، ويهود بني قريظة.
2. السعي للقضاء علي الإسلام : أراد سادة قريش القضاء على الدولة الإسلامية التي كانت تتوسع وتزداد نفوذًا في شبه الجزيرة العربية ، كما كانت المدينة المنورة تمثل مركزًا استراتيجيًا مهمًا يجب السيطرة عليه لإضعاف المسلمين.
3. النقض المتكرر للعهود : حرض اليهود قريشًا على محاربة المسلمين، ووعدوهم بالدعم ، و كانت القبائل اليهودية، وخاصة بني قريظة ، تنقض العهود مع المسلمين بشكل متكرر ، مما شكل تهديدًا داخليًا خطيرًا يجب التصدي له.
أحداث غزوة الخندق
١. تجمع الأحزاب: اجتمعت قريش مع قبائل غطفان وبني سليم وبني قردة وبني مرة وبني كنانة مع جماعه من يهود بني قريظة ، وتكون جيشًا عظيمًا قوامه حوالي عشرة آلاف مقاتل.
٢. ما قبل الغزوة : عندما علم النبي بتحرك جيش الأحزاب نحو المدينة ، وكانت الجيوش المتحالفة تفوق المسلمين عددًا وعتادً ، استشار النبي ﷺ أصحابه حول أفضل وسيلة للدفاع عن المدينة ، خرج الصحابي سلمان الفارسي بفكرة غير معهوده لدى العرب وهي حفر خندق حول المدينة ، وهو تكتيك كان يستخدم في بلاد فارس ولكن لم يستخدم من قبل في شبه الجزيرة العربية.
قدم سلمان هذا الاقتراح للنبي ﷺ كحل للدفاع عن المدينة من هجوم مباشر ، شرح سلمان الفكرة بأن الخندق سيوفر حاجزًا طبيعيًا يصعب على الفرسان والمشاة اجتيازه ، مما يمنح المسلمين فرصة للدفاع من مواقعهم .
٣. حفر الخندق : قبل النبي محمد ﷺ اقتراح سلمان الفارسي وأمر بالبدء فورًا في حفر الخندق و قسّم النبي ﷺ العمل بين المسلمين ، وكل مجموعة كانت مسؤولة عن حفر جزء محدد من الخندق .
٤. حصار المدينة : وصلت جيوش الأحزاب، التي بلغ عددها في الروايات التاريخية حوالي 10,000 مقاتل ، إلى أطراف المدينة وبدأت في حصارها ، كانت المدينة محمية بالخندق، مما حال دون تمكن الأعداء من الاقتحام.
٥. تصدع التحالف : نجح المسلمون في الحفاظ على معنوياتهم عالية ، وبدعاء النبي ﷺ ، سلط الله عليهم الظروف الجوية القاسية ، مثل الرياح العاتية والبرد القارس، مما كان له بالغ الأثر في إضعاف معنويات جيوش الأحزاب .
٦. خيانة بني قريظة : حاولت بنو قريظة خيانة المسلمين بالتعاون مع قريش والقبائل المتحالفة معها من الأحزاب ، لكن النبي ﷺ أرسل مجموعة بقيادة الصحابي سعد بن معاذ للتفاوض معهم ومنعهم من الانضمام إلى الأحزاب .
٧. الدعاء والاستجابة : كان النبي محمد ﷺ يدعو الله باستمرار لتفريج الكرب والنصر على الأعداء ، أرسل الله رياحًا شديدة وأرسل الملائكة لتفريق جيوش الأحزاب ، مما أدى إلى تشتتهم وانسحابهم .
الدروس المستفادة من غزوة الخندق
2. التخطيط الاستراتيجي : أظهرت غزوة الخندق أهمية التخطيط والتحضير الدفاعي ، حيث كان حفر الخندق فكرة ممتازة غير معهوده في شبه الجزيرة العربية وأثبتت فعاليتها .
3. الوحدة والتعاون : أظهرت غزوة الخندق أهمية التعاون والعمل الجماعي بين المسلمين ، حيث شارك جميع الصحابه في حفر الخندق والدفاع عن المدينة .
4. الثبات في وجه الأزمات : قدمت الغزوة درسًا في الصبر والثبات في مواجهة الأزمات ، رغم الظروف الصعبة ، حافظ المسلمون على معنوياتهم وبالتالي نجحوا في الدفاع عن مدينتهم .
5. إدارة الأزمات : تعامل النبي محمد ﷺ بحكمة مع خيانة بني قريظة ومنع تفاقم الوضع. بعد انتهاء الحصار، تمت محاكمة بني قريظة بما يوافق الشريعة الإسلامية.
6. الدعاء والتوكل على الله : أظهرت غزوة الخندق أهمية الدعاء والتوكل على الله في تحقيق النصر. كان للدعاء دور كبير في تعزيز صمود المسلمين وتفريج الكرب.
مواقف مميزة في غزوة الأحزاب
أولا : "عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول .
فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فأخذ المعول ثم قال: بسم الله، فضرب ضربة ، فكسر ثلث الحجر ، وقال: الله أكبر، أعطيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا " صدق رسول الله ﷺ .
ثانيا : " عمرو بن عبد ود " شهرته ( ابن ود العامري ) وهو من أشهر فرسان قريش ، وكانت العرب تهابه وتخاف منهُ ، وهو من خمسه من المشركين الذين استطاعوا عبور الخندق ، و عمره يومئذ تجاوز الثمانين سنة ، كان عمرو بن ود يطالب المسلمين بأن يخرج له أحد يقاتله ولم يجبه أحد .
ألح الصحابي " علي بن أبي طالب " رضي الله عنه علي الرسول ﷺ أن يخرج فلم يسمح له إلا في ثالث مره من طلبه .
فسعى علي نحو عمرو حتى انتهى إليه، فقال له: «يا عمرو إنّك كنت تقول: لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلَّا قبلتها أو واحدة منها». قال: «أجل».
قال علي: «إنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وأن تسلم لربّ العالمين».
قال: «يا ابن أخي أخّر هذا عنّي»، فقال: «أما أنّها خير لك لو أخذتها»، ثمّ قال علي: «ها هنا أخرى»، قال: وما هي ؟ قال: «ترجع من حيث أتيت»، قال: «لا تحدّث نساء قريش عنّي بذلك أبدًا». قال علي: «ها هنا أخرى»، قال: «وما هي؟» قال علي: «أبارزك وتبارزني».
فضحك عمرو وقال: «إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحدًا من العرب يطلبها منّي، وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك نديماً لي»، فقال علي: «وأنا كذلك، ولكنّي أحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحق». فحمى عمرو ونزل عن فرسه وضرب وجهه حتّى نفر، وأقبل على علي مصلتاً سيفه وبادره بضربة، فنشب السيف في ترس عليّ , فضربه علي .
قال جابر الأنصاري رحمه الله (( وتجاولا وثارت بينهما فترة، وبقيا ساعة طويلة لم أرهما ولا سمعت لهما صوتاً, ثمّ سمعنا التكبير فعلمنا أنّ علياً قد قتله، وسرّ النبي ﷺ سروراً عظيماً لمّا سمع صوت بمقتله، وكبّر وسجد لله تعالى شُكرًا )) ، وانكشف الغبار ، وانهزم باقي المشركين .
أخيرا نقول
غزوة الخندق من أبرز غزوات النبي ﷺ التي أظهرت حكمته في القيادة والتخطيط ، و قدمت الغزوة دروسًا مهمة في التعاون والعمل الجماعي ، وأثبتت أن الإيمان والصبر يمكن أن يتغلبا على أي تحدٍ .
ستظل غزوة الخندق درسًا خالدًا في الثبات والشجاعة والإبداع الاستراتيجي في تاريخ الإسلام .
إرسال تعليق