عاتكة بنت زيد
زوجة الشهداء
في صفحات التاريخ الإسلامي المشرقة، تبرز شخصيات نسائية استثنائية كان لهن أثرٌ عميق في مسيرة الدعوة، ومن بين هؤلاء عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، تلك المرأة الفريدة التي جمعت بين الجمال والعقل الراجح والإيمان العميق. لقبت بـ "زوجة الشهداء" لأنها تزوجت أربعة من كبار الصحابة، واستشهدوا جميعاً في سبيل الله.
ما هي قصتها؟ وما الدروس التي نستفيدها من سيرتها العطرة ؟
من هي عاتكة بنت زيد؟
" عاتكة " إنه اسمٌ على مسمى ، إذ يعني المرأة الجميلة الصافية، المحمرة من الطيب ، حيث كانت تُوصف بأنها ملكة جمال عصرها ، إلى جانب كونها شاعرة عذبة الشعر، لطيفة الخلق، راجحة العقل، محبوبة بين الناس .
نسبها وإسلامها
- أبوها : زيد بن عمرو بن نفيل ، الذي لم يدرك الإسلام، لكن النبي ﷺ قال عنه : "يبعث زيد يوم القيامة أمة وحده" ، كما وقال أيضاً: "رأيت زيد بن عمرو بن نفيل يجر أثوابه في الجنة " .
- أخوها: سعيد بن زيد ، أحد العشرة المبشرين بالجنة .
- أسلمت على يد أخيها سعيد، وكانت زوجته فاطمة بنت الخطاب (أخت عمر بن الخطاب) وهي التي أسلم عمر على يديها.
زواجها من عبد الله بن أبي بكر الصديق
بعد هجرتها إلى المدينة، تقدم لخطبتها عبد الله بن أبي بكر الصديق ، الشاب الوسيم الخلوق، الذي كان يحمل أخبار قريش إلى النبي ﷺ وهو في الغار.
قصة حبهما وفراقهما
- عاشا حياة زوجية سعيدة، لكن حبهما الشديد جعل عبد الله ينشغل بها عن الجهاد والتجارة ، بل إنه تأخر عن صلاة الجمعة مرة بسببها ، وعندما علم أبوه أبو بكر الصديق ، أمره بطلاقها تأديباً له ، ففعل وهو كاره.
- لكن عبد الله لم يتحمل الفراق، فكان يئنّ شوقاً لها، حتى رقّ لحاله أبو بكر وأمره بمراجعتها ، ففرح وأعتق عبدٌ له شكراً لله.
استشهاده ووصيته لها
شارك عبد الله في فتح مكة و غزوة حنين ، لكنه أصيب بسهم في الطائف ، وتوفي متأثراً بجراحه على أثره ، وقبل وفاته ، وهب لها بساتينه بشرط ألا تتزوج بعده، ليكون زوجها في الآخرة.
زواجها من عمر بن الخطاب
بعد وفاة عبد الله، تقدم لخطبتها عمر بن الخطاب**، لكنها رفضت في البداية بسبب وعدها لعبد الله.
فتوى علي بن أبي طالب
استشارت علي بن أبي طالب ، فأفتى لها:
- أن ترد البستان لورثة عبد الله، ثم تتزوج عمر.
- ثم اشترطت عليه :
1. ألا يضربها (لشدة طبعه).
2. ألا يمنعها حقها بزُهده .
3. ألا يمنعها من الذهاب إلى المسجد .
حياتها معه واستشهاده
عاشت معه حياة طيبة، وكانت ملازمة للمسجد، حتى استشهد عمر بعد طعنه .
زواجها من الزبير بن العوام
بعد عمر، تزوجت الزبير بن العوام ، حواري رسول الله ﷺ، وكان:
- غنياً (على عكس زهد عمر).
- غيرتها الشديدة جعلته يمنعها من المسجد بحيلة (اختبأ لها وضربها وهي ذاهبة إليه ).
استشهاده في موقعة الجمل
قتله عمرو بن جرموز غدراً في موقعة الجمل، فاستشهد.
زواجها من الحسين بن علي
بعد الزبير، تقدم لخطبتها الحسين بن علي ، لكنها قالت له: " مثلك لا يُرد، لكني أضن بك عن القتل!"
لكنه أصرّ، قائلاً: "أريد الزواج منك لألحق بالشهادة" .
- فتزوجها، ثم استشهد في كربلاء أمام عينيها ثم توفيت بعده بفترة قصيرة.
الدروس المستفادة من حياتها
1. قوة الإيمان والتضحية : عاشت مع أربعة أزواج، كلهم استشهدوا، لكنها صبرت .
2. المرأة المسلمة القوية : كانت ذات شخصية واضحة، تشترط شروطاً لحقوقها.
3. حب الصحابة للشهادة : حتى الحسين تزوجها طلباً للشهادة!
عاتكة بنت زيد ليست مجرد امرأة عاشت في العصر الإسلامي الأول، إنها رمز للإيمان، الصبر، والقوة ، فلم يأت لقبها "زوجة الشهداء " من فراغ، بل لأنه لم يتزوجها إلا عظيم... و استشهد !
ومن الأقوال المأثورة عن هذا الأمر قول عبد الله بن عمر "من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد " .
رحم الله عاتكة، و أزواجها الأربعة ، وجمعها بهم في جنات النعيم.