عمرو بن العاص
محرّر مصر من الرومان
كيف أسلم عمرو بن العاص ؟
كانوا ثلاثة في قريش اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وإيذائهم أصحابه.. وراح الرسول يدعو عليهم, ويبتهل إلى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..وإذ هو يدعو ويدعو, تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..
( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم, فإنهم ظالمون)
وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم, وترك أمرهم إلى الله وحده..
فإمّا أن يظلوا على ظلمهم فيحلّ بهم عذابه .. أو يتوب عليهم فيتوبوا وتدركهم رحمته .. كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..
ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم إلى الإسلام..
وتحول عمرو بن العاص إلى مسلم مناضل .
إلى قائد من قادة الإسلام البواسل..
لقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بفاتح مصر..
بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا, ولعل أحق النعوت بعمرو بن العاص أن ندعوه بمحرر مصر..
فالإسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح إنما كان يحررها من تسلط إمبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب, ذانك هما : إمبراطورية الفرس وإمبراطورية الروم..
ومصر بالذات, يوم أهلت عليها طلائع الإسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..
ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن: " الله أكبر.. الله أكبر"..
سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه, واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..
فعمرو بن العاص ورجاله, لم يفتحوا مصر إذن.. إنما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء
كلمات الله, ومبادئ الإسلام..
ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..
من أجل ذلك نجده يتحدث إلى زعماء النصارى يومئذ وكبار أساقفتهم, فيقول:
"... إن الله بعث محمدا بالحق وأمره به..وانه عليه الصلاة والسلام, قد أدّى رسالته ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم وكان مما أمرنا به الأعذار إلى الناس, فنحن ندعوكم إلى الإسلام فمن أجابنا فهو منا له ما لنا وعليه ما علينا..
ومن لم يجبنا إلى الإسلام عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..
ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا, وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر, فاستوصوا بقبطها خيرا, فإن لهم ذمّة ورحما"..فان أجبتمونا إلى ما ندعوكم إليه كانت لكم ذمة إلى ذمة"...
وفرغ عمرو من كلماته, فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:
" إن الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم, لهي قرابة بعيدة, لا يصل مثلها إلا الأنبياء"..!!
وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لإحباطها..
عمرو بن العاص مع النجاشي
عمرو بن العاص لم يكن من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل .
ومن العجب أن إسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة ، وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ، ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي .
وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد ، جاء ذكر لرسول الله ، الذي يهتف بالتوحيد ، وبمكارم الأخلاق ، في جزيرة العرب..
سأل صاحب الحبشة عمرا, كيف لم يؤمن به ويتبعه, وهو رسول من الله حقا..؟؟
وسأل عمرو النجاشي قائلا:" أهو كذلك؟؟"
وأجابه النجاشي:" نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه, فانه والله لعلى الحق, وليظهرنّ على من خالفه"..؟!
وركب عمرو بن العاص ثلج البحر من فوره, عائدا إلى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..
وفي الطريق المؤدية إلى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا إلى الرسول ليبايعه على الإسلام..
ولم يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:" لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..
وتقدم فبايع..ثم تقدم عمرو بن العاص فقال: " إني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..
فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:" يا عمرو.. بايع، فان الإسلام يجبّ ما كان قبله"..
وبايع عمرو بن العاص ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.
عمرو بن العاص أميرا و واليا
وعندما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى كان عمرو واليا على عمان .. وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام, ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.
وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه في حب الإمارة .. إذن لكان قد تفوّق كثيرا على بعض المواقف التي ورّطه فيها الحب.
على أن حب عمرو بن العاص للإمارة, كان إلى حد ما, تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب.. بل إن شكله الخارجي وطريقته في المشي وفي الحديث كانت تومئ إلى أنه خلق للإمارة حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم
مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:" ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض إلا أميرا"..!
والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق ، وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين .
كان عمرو بن العاص يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!
ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، جعله واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...
حين علم أمير المؤمنين عمرو بن العاص أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..
نقول: لما علم الخليفة عن عمرو بن العاص كثرة رخائه، لم يعزله، إنما أرسل إليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه إلى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.
ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو بن العاص للإمارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد إبقاءه في الولاية لحظة.
عمرو بن العاص أرطبون العرب
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه حادّ الذكاء, قوي البديهة عميق الرؤية..
حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى إنسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:" سبحان الله ! إن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص اله واحد!
كما كان بالغ الجرأة مقداما ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن فيظن به الجبن أو الهلع .
بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو بن العاص يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!
ولقد كان أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله إلى الشام قبل مجيئه إلى مصر, قيل لأمير المؤمنين: إن على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:
" لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!
ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا إلى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بن العاص بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الإسلام.
ذكاء عمرو بن العاص
وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو بن العاص ودهاؤه.
وان كنا لا نحسب منها بحال موقفه " ولا نحسبه لأنه مكذوب " من أن أبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم حين اتفقا على أن يخلع كل منهما عليا ومعاوية, ليرجع الأمر شورى بين المسلمين، فأنفذ أبو موسى الاتفاق، وقعد عن إنفاذه عمرو.
وإذا أردنا أن نشهد صورة فعلية لدهائه وحذق بديهته ، ففي موقفه من قائد حصن بابليون ، أثناء حربه مع الرومان ، في مصر ، وفي رواية تاريخية أخرى ، أنها الواقعة التي سنذكرها ، وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..
إذ دعاه الأرطبون ، والقائد ليحادثه ، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بإلقاء صخرة فوقه ، إثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو بن العاص أمرا محتوما..
ودخل عمرو بن العاص على القائد لا يريبه شيء ، وانفض لقاؤهما ، وبينما هو في الطريق ، إلى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة ، وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.
لقد عاد إلى قائد الحصن ، في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة, كأن لم يفزعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!
ودخل على القائد وقال له: لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين إلى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..
وأدرك قائد الروم أن عمرو بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!
فليوافقه إذن على رأيه ، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين ، وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو بن العاص وحده..
وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بإرجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..
ودّع عمرو بن العاص بحفاوة، وصافحه بحرارة ، وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..وفي الصباح عاد عمرو بن العاص على رأس جيشه إلى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.
أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!
وفاة عمرو بن العاص
وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..
وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:
".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله, فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..ثم بايعت رسول الله, فما كان في الناس أحد أحب إليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه إجلالا
له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..
ثم بليت بعد ذلك بالسلطان, وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..
ثم رفع بصره إلى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:
" اللهم لا بريء فأعتذر, ولا عزيز فأنتصر،وإلا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!
وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت إلى الله روحه ، وكانت آخر كلماته لا اله إلا الله.. وتحت ثرى مصر، التي عرّفها عمرو طريق الإسلام، ثوى رفاته..
وفوق أرضها الصلبة، لا يزال مجلسه حيث كان يعلم، ويقضي ويحكم.. قائما عبر القرون تحت سقف مسجده العتيق جامع عمرو بن العاص ، أول مسجد في مصر يذكر فيه اسم الله الواحد الأحد، وأعلنت بين أرجائه ومن فوق منبره كلمات الله ....
..... ومبادئ الإسلام.
إستمتع و تابع أيضا :
شكري القواتلى يوم أن كانت سوريا
العيناء المرضية ( أنا زوجتك في الجنة )
كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع مصادرنا من المراجع والكتب نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته
إرسال تعليق