مواضيع مهمة

بالصوت والصورة

ADS

?max-results="+numposts5+"&orderby=published&alt=json-in-script&callback=recentarticles8\"><\/script>");

من عهد النبي واصحابه

كل مواضيع المدونة

الاثنين، 23 مارس 2020

حمزة بن عبد المطلب ( أسد الله وسيّد الشهداء )

حمزة بن عبد المطلب ( أسد الله وسيّد الشهداء )

كانت مكة تغطّ في نومها, بعد يوم مليء بالسعي, وبالكدّ, وبالعبادة وباللهو.. والقريشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين..
غير واحد هناك يتجافى عن المضجع جنباه, يأوي إلى فراشه مبركا, ويستريح ساعات قليلة, ثم ينهض في شوق عظيم, لأنه مع الله على موعد, فيعمد إلى مصلاه في حجرته, ويظل يناجي ربه ويدعوه.. وكلما استيقظت زوجته على أزير صدره الضارع وابتهالاته الحارة الملحة, وأخذتها الشفقة عليه, ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم, يجيبها ودموع عينيه تسابق كلماته:
" لقد انقضى عهد النوم يا خديجة"..!!
لم يكن أمره قد أرّق قريش بعد, وان كان قد بدأ يشغلا انتباهها, فلقد كان حديث عهد بدعوته, وكان يقول كلمته سرا وهمسا.
كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جدا..
وكان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب والإجلال, ويطوي جوانحه على شوق عظيم إلى الإيمان به والسير في قافلته المباركة, لا يمنعه سوى مواضعات العرف والبيئة, وضغوط التقاليد والوراثة, والتردد بين نداء الغروب, ونداء الشروق.
من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب.. عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
كان حمزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله.. وكان على بيّنة من حقيقة أمره, وجوهر خصاله..
فهو لا يعرف معرفة العم بابن أخيه فحسب, بل معرفة الأخ بالأخ, والصديق بالصديق.. ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد, وسن متقاربة.
نشأ معا وتآخيا معا, وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة..
لئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق, فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة, وإفساح مكان لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش.. في حين عكف محمد على أضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق إلى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة إلى التأمل العميق, وإلى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه..
في صبيحة ذلك اليوم, خرج حمزة كعادته.
وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم, يستمع لما يقولون..
وكانوا يتحدثون عن محمد..
ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه.. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد, والغيظ والمرارة.
لقد كانوا من قبل لا يبالون, أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة.
أما اليوم, فوجوههم تموج موجا بالقلق, والهمّ, والرغبة في الافتراس.
وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا.. ورماهم بالمبالغة, وسوء التقدير..
 وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الإنس علما بخطر ما يدعو إليه محمد ولكنه يريد أم يهوّن الأمر حتى تنام قريش, ثم تصبح يوما وقد ساء صاحبها, وظهر أمر ابن أخيه عليها...
ومضوا في حديثهم يزمجرون, ويتوعدون.. وحمزة يبتسم تارّة, ويمتعض أخرى, وحين انفض الجميع وذهب كل إلى سبيله, كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة, وخواطر جديدة. راح يستقبل بها أمر ابن أخيه, ويناقشه مع نفسه من جديد...!!!
ومضت الأيام, ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول..
ثم تتحوّل همهمة قريش إلى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد..
إن ثبات ابن أخيه ليبهره.. وان تفانيه في سبيل إيمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها, برغم ما عرفت من تفان وصمود..!!
ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه, فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد إلى وعي حمزة منفذا أو سبيلا..
فحمزة خير من عرف محمدا, من طفولته الباكرة, إلى شبابه الطاهر , إلى رجولته الأمينة السامقة..
انه يعرفه تماما كما يعرف نفسه, بل أكثر مما يعرف نفسه, ومنذ جاءا إلى الحياة معا, وترعرعا معا, وبلغا أشدّهما معا, وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس..!! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة, لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا, أو قانطا, أو طامعا,أو لاهيا, أو مهزوزا...
وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب, بل وبرجاحة العقل, وقوة الإرادة أيضا..
ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابعة إنسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة.. وهكذا طوى صدره إلى حين على أمر سيتكشّف في يوم قريب..
وجاء اليوم الموعود..
وخرج حمزة من داره , متوشحا قوسه, ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة, ورياضته الأثيرة, الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه..
وقضى هناك بعض يومه, ولما عاد من قنصه, ذهب كعادته إلى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا إلى داره.
وقريبا من الكعبة, لقته خادم لعبدالله بن جدعان..
ولم تكد تبصره حتى  قالت له:
" يا أبا عمارة.. لو رأيت ما في ابن أخيك محمد آنفا, من أبي الحكم بن هشام.. وجده جالسا هناك , فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"..
ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله..
واستمع حمزة جيدا لقولها, ثم أطرق لحظة, ثم مد يمينه إلى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الطعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل.. فان هو لم يجده هناك, فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه..
ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة, حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش..
وفي هدوء رهيب, تقدّم حمزة من أبي جهل, ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه, وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة, صاح حمزة في أبي جهل:

" أتشتم محمدا, وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! إلا فردّ ذلك عليّ إن استطعت"..
وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الإهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل والدم لذي ينزف من رأسه, وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم كالصاعقة.. الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى ما يراه, ويقول ما يقوله..
أحمزة يسلم..؟
أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة..؟؟
أنها الطامّة التي لن تملك قريش لها دفعا.. فإسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالإسلام, وسيجد محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ أزره, وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم أصنامها وآلهتها..!!
أجل أسلم حمزة, وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره, وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله, وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج.. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى  إلى قوسه فثبتها فوق كتفه, واستقبل الطريق إلى داره في خطواته الثابتة, وبأسه الشديد..!
كان حمزة يحمل عقلا نافذا, وضميرا مستقيما..
وحين عاد إلى بيته ونضا عنه متاعب يومه. جلس يفكر, ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب..
كيف أعلن إسلامه ومتى..؟
لقد أعلنه في لحظات الحميّة, والغضب, والانفعال..
لقد ساءه أن يساء إلى ابن أخيه, ويظلم دون أن يجد له ناصرا, فيغضب له, وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم, فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه بإسلامه...
صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده..
ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا, بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات, في لحظة غضب, مثلما صنع حمزة الآن..؟؟؟
وشرع يفكّر.. وقضى أياما, لا يهدأ له خاطر.. وليالي لا يرقأ له فيها جفن..
وحين ننشد الحقيقة بواسطة العقل, يفرض الشك نفسه كوسيلة إلى المعرفة.

وهكذا, لم يكد حمزة يستعمل  في بحث قضية الإسلام, ويوازن بين الدين القديم, والدين الجديد, حتى ثارت في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث إلى دين آبائه.. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد..
 واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة, وآلهاها وأصنامها... وعن الأمجاد الدينية التي أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة على قريش كلها, وعلى مكة بأسرها.
لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها..
ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أحد أتباع هذه الدعوة, المؤمنين بها, والذائدين عنها.. فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين..؟
لحظة غضب وحميّة..؟ أم أوقات تفكير ورويّة..؟
وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره, ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق..
وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ كله.. وهذا الدين القديم العريق, هوّة تتعاظم  مجتازها..
وعجب حمزة كيف يتسنى لإنسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة.. وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل.. ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ إلى الغيب بكل إخلاصه وصدقه..
وعند الكعبة, كان يستقبل السماء ضارعا, مبتهلا, مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور, كي يهتدي إلى الحق وإلى الطريق المستقيم..
ولنضع إليه وهو يروي بقية النبأ فيقول:
".. ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي.. وبت من الشك في أمر عظيم, لا أكتحل بنوم..
ثم أتيت الكعبة, وتضرّعت إلى الله أن يشرح صدري للحق, ويذهب عني الريب.. فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا..
وغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري, فدع الله أن يثبت قلبي على دينه.."
وهكذا أسلم حمزة إسلام اليقين..
أعز الله الإسلام بحمزة  ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله, وعن المستضعفين من أصحابه..
ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين, فأدرك أنها الحرب لا محالة, وراح يحرّض قريشا على إنزال الأذى بالرسول وصحبه, ومضى يهيئ لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده..
ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن إسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان إغراء ناجحا لكثير من القبائل التي قادها إسلام حمزة أولا. ثم إسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك إلى الإسلام فدخلت فيه أفواجا..!!
ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته, وبأسه, وحياته, لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم:
"أسد الله, وأسد رسوله"..

وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو, كان أميرها حمزة..
وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..
ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر, كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب..!!
وعادت فلول قريش من بدر إلى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها... ورجع أبو سفيان مخلوع القلب, مطأطئ الرأس{وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش, من أمثال أبي جهل.. وعتبة بن ربيعة, وشيبة بن ربيعة, وأميّة بن خلف. وعقبة بن أبي معيط.. والأسود بن عبدالله المخزومي, والوليد بن عتبة.. والنفر بن الحارث.. والعاص بن سعيد.. وطعمة ابن عديّ.. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها.
وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها, لتثأر لنفسها ولشرفها ولقتلاها.. وصمّمت قريش على الحرب..
وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها, ومعها حلفاؤها من قبائل العرب, وبقيادة أبي سفيان مرة أخرى.
وكان زعماء قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه إلى رجلين اثنين: الرسول صلى اله عليه وسلم, وحمزة رضي الله عنه وأرضاه..
أجل والذي  كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم قبل الخروج للحرب, يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة..
 ولقد اختاروا قبل الخروج, الرجل الذي وكلوا إليه  أمر حمزة, وهو عبد حبشي, كان ذا مهارة خارقة في قذف الحربة, جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب إليه ضربة قاتلة من رمحه, وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر, مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال.
ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته.. فقد كان الرجل واسمه وحشي عبدا لجبير بن مطعم.
وكان عم جبير قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبير " اخرج مع الناس وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق"..!!
ثم أحالوه إلى هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان لتزيده تحريضا ودفعا إلى الهدف الذي يريدون..
وكانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها, وعمها, وأخاها, وابنها.. وقيل لها إن حمزة هو الذي قتل بعض هؤلاء, وأجهز على البعض الآخر..
من أجل هذا كانت أكثر القرشيين والقرشيّات تحريضا على الخروج للحرب, لا لشيء إلا لتظفر برأس حمزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه المغامرة..!!
ولقد لبثت أياما قبل الخروج للحرب, ولا عمل لها إلا إفراغ كل حقدها في صدر وحشي ورسم الدور الذي عليه أن يقوم به..
ولقد وعدته إن هو نجح في قتل حمزة بأثمن ما تملك المرأة من متاع وزينة, فلقد أمسكت بأناملها الحاقدة قرطها اللؤلئي الثمين وقلائدها الذهبية التي تزدحم حول عنقها, ثم قالت وعيناها تحدّقان في وحشي:
" كل هذا لك, إن قتلت حمزة"..!!
سال لعاب وحشي, وطارت خواطره توّاقة مشتاقة إلى المعركة التي سيربح فيها حريّته, فلا يصير بعد عبدا أو رقيقا, والتي سيخرج منها بكل هذا الحلي الذي يزيّن عنق زعيمة نساء قريش, وزوجة زعيمها, وابنة سيّدها..!!
كانت المؤامرة إذن.. وكانت الحرب كلها تريد حمزة رضي الله عنه بشكل واضح وحاسم..
وجاءت غزوة أحد...
والتقى الجيشان. وتوسط حمزة أرض الموت والقتال, مرتديا لباس الحرب, وعلى صدره ريشة النعام التي تعوّد أن يزيّن بها صدره في القتال..
وراح يصول ويجول, لا يريد رأسا إلا قطعه بسيفه, ومضى يضرب في المشركين, وكأن المنايا طوع أمره, يقف بها من يشاء فتصيبه في صميمه.!!
وصال المسلمون جميعا حتى قاربوا النصر الحاسم.. وحتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة.. ولولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل, ونزلوا إلى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم.. لولا تركهم مكانهم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلها, رجالها, ونسائها بل وخيلها وإبلها..!!
 لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة, واعملوا فيهم سيوفهم الظامئة المجنونة.. وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديدو ويحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد وضعه حين رأى جيش محمد ينسحب ويولي الأدبار.. ولكن المفاجأة كانت قاسية عنيفة.
ورأى حمزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلاءه..
وأخذ يضرب عن يمينه وشماله.. وبين يديه ومن خلفه.. ووحشيّ هناك يراقبه, ويتحيّن الفرصة الغادرة ليوجه نحوه ضربته..
ولندع وحشيا يصف لنا المشهد بكلماته:
[.. وكنت رجلا حبشيا, أقذف بالحربة قذف لحبشة, فقلما أخطئ بها شيئا.. فلما التقى الإنس خرجت أنظر حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق.. يهدّ الناس بسيفه هدّا, ما يقف أمامه شيء, فوالله إني لأتهيأ له أريده, وأستتر منه بشجرة لأقتحمه أو ليدنو مني, إذ تقدّمني إليه سباع بن عبد العزى. فلما رآه حمزة صاح به: هلمّ إليّ يا بن مقطّعة البظرو. ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه..

عندئذ هززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها فوقعت في ثنّته حتى خرجت من بين رجليه.. ونهض نحوي فغلب على أمره ثم مات..
وأتيته فأخذت حربتي, ثم رجعت إلى المعسكر فقعدت فيه, إذ لم يكن لي فيه حاجة, فقد قتلته لأعتق..]
ولا بأس في أن ندع وحشيا يكمل حديثه:
[فلما قدمت مكة أعتقت, ثم أقمت بها حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فهربت إلى الطائف.
فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم تعيّت عليّ المذاهب. وقلت : الحق بالشام أو اليمن أو سواها..
فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال لي رجل: ويحك..! إن رسول اله, والله لا يقتل أحد من الناس يدخل دينه..
فخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرني إلا قائما أمامه أشهد شهادة الحق. فلما رآني قال: أوحشيّ أنت..؟ قلت: نعم يا رسول الله.. قال:  فحدّثني كيف قتلت حمزة, فحدّثته.. فلما فرغت من حديثي قال: ويحك.. غيّب عني وجهك.. فكنت أتنكّب طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان, لئلا يراني حتى قبضه الله إليه..
فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم, وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة.. فلما التقى الإنس رأيت مسيلمة الكذاب قائما, في يده السيف, فتهيأت له, وهززت حربتي, حتى اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه..
فان كنت قد قتلت بحربتي هذه خير الناس وهو حمزة.. فاني لأرجو أن يغفر الله لي إذ قتلت بها شرّ الناس مسيلمة]..
هكذا سقط أسد الله ورسوله, شهيدا مجيدا..!!
وكما كانت  حياته مدوّية, كانت موتته مدوّية كذلك..
فلم يكتف أعداؤه بمقتله.. وكيف يكتفون أو يقتنعون, وهم الذين جنّدوا كل أموال قريش وكل رجالها في هذه المعركة التي لم يريدوا بها سوى الرسول وعمّه حمزة..
لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.. أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حمزة.. واستجاب الحبشي لهذه الرغبة المسعورة.. وعندما عاد بها إلى  هند كان يناولها الكبد بيمناه, ويتلقى منها قرطها وقلائدها بيسراه, مكافأة له على انجاز مهمته..
ومضغت هند بنت عتبة الذي صرعه المسلمون ببدر, وزوجة أبي سفيان هئد جيوش الشرك الوثنية,مضغت كبد حمزة, راجية أن تشفي تلك الحماقة حقدها وغلها. ولكن الكبد استعصت على أنيابها, وأعجزتها أن تسيغها, فأخرجتها من فمها, ثم علت صخرة مرتفعة, وراحت تصرخ قائلة:

نحن جزينــــــــــاكم بيوم بدر                  والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر                    ولا أخي وعمّـــــــــــــه وبكري
شفيت نفسي وقضيــت نذري                 أزاح وحشي غليــــــــل صدري

وانتهت المعركة, وامتطى المشركون إبلهم, وساقوا خيلهم قافلين إلى مكة.. ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه إلى أرض المعركة لينظر شهداءها..
وهناك في بطن الوادي. وهو يتفحص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم, وقدّموها قرابين مبرورة لربهم الكبير. وقف فجأة.. ونظر. فوجم.. وضغط على أسنانه.. وأسبل جفنيه..
فما كان يتصوّر قط أن يهبط الخلق العربي على هذه الوحشية البشعة فيمثل بجثمان ميت على الصورة التي رأى فيها جثمان عمه الشهيد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيّد الشهداء..
وفتح الرسول عينيه التي تألق بريقهما كومض القدر وقال وعيناه على جثمان عمّه:
  " لن أصاب بمثلك أبدا.. وما وقفت موقفا قط أغيظ إليّ من موقفي هذا..".
ثم التفت إلى أصحابه وقال: " لولا أن تحزن صفيّة _أخت حمزة_ ويكون سنّه من بعدي, لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير.. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن, لأمثلن بثلاثين رجلا منهم.."

فصاح أصحاب الرسول:
" والله لئن ظفرنا بهم يوما من الدهر, لنمثلن بهم, مثلة لم يمثلها أحد من العرب..!!"
ولكن الله الذي أكرم حمزة بالشهادة, يكرّمه مرة أخرى بأن يجعل من مصرعه فرصة لدرس عظيم يحمي العدالة إلى الأبد, ويجعل الرحمة حتى في العقوبة والقصاص واجبا وفرضا..
وهكذا لم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يفرغ من إلقاء وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه لم يبرحه بهذه الآية الكريمة:
 ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل 125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (النحل 126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (النحل 127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (النحل 128) ))
وكان نزول هذه الآيات, في هذا الموطن, خير تكريم لحمزة الذي وقع أجره على الله..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه أعظم الحب, فهو كما ذكرنا من قبل لم يكن عمّه الحبيب فحسب..
بل كان أخاه من الرضاعة..
وتربه في الطفولة..
وصديق العمر كله..
وفي لحظات الوداع هذه, لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم تحية يودّعه بها خيرا من أن يصلي عليه بعدد الشهداء المعركة جميعا..
وهكذا حمل جثمان حمزة إلى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءه, واحتضنت دماءه, فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ثم جيء بشهيد آخر, فصلى عليه الرسول.. ثم رفع وترك حمزة مكانه, وجيء بشهيد ثالث فوضع إلى جوار حمزة وصلى عليهم الرسول..
وهكذا جيء بالشهداء.. شهيد بعد شهيد.. والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي على كل واحد منهم وعلى حمزة معه حتى صلى على عمّه يومئذ سبعين صلاة..
وينصرف الرسول من المعركة إلي بيته, فيسمع في طريقه نساء بني عبد الأشهل يبكين شهداءهن, فيقول عليه الصلاة والسلام من فرط حنانه وحبه:  " لكنّ حمزة لا بواكي له"..!!
ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه, فيسرع إلى نساء بني عبد الأشهل ويأمرهن أن يبكين حمزة فيفعلن… ولا يكاد الرسول يسمع بكاءهن حتى يخرج إليهن, ويقول
" ما إلى هذا قصدت, ارجعن يرحمكن الله, فلا بكاء بعد اليوم"
ولقد ذهب أصحاب رسول الله يتبارون في رثاء حمزة وتمجيد مناقبه العظيمة.
فقال حسان بن ثابت:

دع عنــــــك دارا قد عفا رسمها                 وابك على حمزة ذي النائل

اللابس الخيــــــــــل اذا أحجمت                 كالليث في غابته الباســــل

أبيض في الذروة من بني هاشم                 لم يمر دون الحق بالباطــل

مال شهيدا بين أسيافكــــــــــــم                  شلت يدا وحشي من قاتـــل

وقال عبد الله بن رواحــة:

بكت عيني وحق لها بكاهــا                     وما يغني البكاء ولا العويـل

على أسد الاله غداة قالـــوا:                     أحمزة ذاكم الرجل القتيــــل

أصيب المسلمون به جميعا                      هناك وقد أصيب به الرسول

أبا يعلى, لك الأركــان هدّت                      وأنت الماجد البرّ الوصـــول


على أن خير رثاء عطّر ذكراه كانت كلمات رسول الله له حين وقف على جثمانه ساعة رآه بين شهداء المعركة وقال:

" رحمة الله عليك, فانك كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات"..

 لقد كان مصاب النبي صلى الله عليه وسلم في عمه العظيم حمزة فادحا. وكان العزاء فيه مهمة صعبة.. بيد أن الأقدار كانت تدّخر لرسول الله أجمل عزاء.
ففي طريقه من أحد إلى داره مرّ عليه الصلاة والسلام بسيّدة من بني دينار استشهد في المعركة أبوها وزوجها, وأخوها..
وحين أبصرت المسلمين عائدين من الغزو, سارعت نحوهم تسألهم عن أنباء المعركة..
فنعوا إليها الزوج..والأب ..والأخ..
وإذا بها تسألهم في لهفة: " وماذا فعل رسول الله"..؟؟
قالوا: " خيرا.. هو بحمد الله كما تحبين"..!!
قالت: " أرونيه, حتى أنظر إليه"..!!
ولبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم, فلما رأته أقبلت نحوه تقول: " كل مصيبة بعدك, أمرها يهون"..!!
  أجل..
لقد كان هذا أجمل عزاء وأبقاه..
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد ابتسم لهذا المشهد الفذّ الفريد, فليس في دنيا البذل, والولاء, والفداء لهذا نظير..
سيدة ضعيفة, مسكينة, تفقد في ساعة واحدة أباها وزوجها وأخاها.. ثم يكون ردّها على الناعي لحظة سمعها الخبر الذي يهدّ الجبال:
" وماذا فعل رسول الله"..؟؟!!
 لقد كان مشهد أجاد القدر رسمه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عزاء أي عزاء.. في أسد الله, وسيّد الشهداء..!!

إستمتع و تابع أيضا :


عبدالله بن حذافة السهمي

أدهى العرب لولا الإسلام

أكبر صلاة جنازه في التاريخ 

كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

الاثنين، 16 مارس 2020

الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي (أسطورة المغرب الإسلامي)

الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي
(أسطورة المغرب الإسلامي
الامير محمد بن عبدالكريم الخطابي
"دخلت على عبد الكريم في خندق أمامي، والطائرات الإسبانية والفرنسية تقذف المنطقة بحمم هائلة فوجدته متبسمًا مرحًا مقبلًا يضرب ببندقيته الطائرات، فتعجبت من هذه الظاهرة البشرية الفريدة! "(الصحفي الأمريكي فانسن شون 1926) .
 يقول عنه السير كورتي " عضو مجلس العموم البريطاني 1921 ": إن هذا الرجل الذي ينادي باسمه أهل آسيا وأفريقيا والهند، ويتغنون باسمه. . . إن هذا الرجل الذي يقاتل باسم الإسلام ويعيد إمارة المؤمنين والخلافة الإسلامية، هو الخطر القادم على البلاد الأوروبية".
قال له الثائر الشيوعي تشي جيفارا فى عام 1960 " أيها الأمير. . . لقد أتيت إلى القاهرة خصيصًا لكي أتعلم منك".
في بلدة "أغادير" في الريف المغربي الإسلامي في سنة 1301 ه/ 1883 م يُرزق شيخ قبيلة من قبائل الأمازيغ البربر يدعى الشيخ "عبد الكريم الخطابي" مولودًا يسميه تبركًا على اسم رسول اللَّه محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، ليقرر هذا الشيخ تربية ابنه تربية صالحة منذ نعومة أظافره، وفعلًا قام بتعليمه اللغة العربية وتحفيظه القرآن بنفسه، ثم أرسله إلى جامعة "القرويين" في مدينة "فاس" ليتعلم هناك الحديث والفقه الإسلامي، وما هي إلا سنوات حتى أصبح "محمد ابن عبد الكريم الخطابي" قاضي القضاة في مدينة "مليلية" المغربية وهو ما يزال في عمر الشباب.
في هذا الوقت كانت ظروف المغرب الإسلامي أصعب من أن يتخيلها إنسان، فلقد أدركت الدول الاستعمارية أن بلاد المغرب الإسلامي بمثابة مصنع للأبطال عبر التاريخ، فمنها خرج مجاهدو دولة "المرابطين" إلى الأندلس، ومنها أبحرت قوات دولة "الموحدين" إلى أوروبا، ومنها انطلقت كتائب النور الإسلامية أول مرة إلى أوروبا تحت قيادة (طارق بن زياد) فقررت تلك الدول إنهاء هذا الخطر الإسلامي.
عقدت دول أوروبا مؤتمر "الجزيرة الخضراء" عام 1906 م بمشاركة 12 دولة أوروبية، ولأول مرة في التاريخ يظهر اسم "أمريكا" لتكسر بذلك الولايات المتحدة الأمريكية "مبدأ مونرو" الذي ينص على: "عدم التدخل الأمريكي في السياسة الدولية".
 كل هذه الدول اجتمعت من أجل انهاء هذا الكابوس الإسلامي المستمر إلى الأبد، فكان القرار النهائي لهذا المؤتمر :
             تقسيم بلاد المغرب الإسلامي!!!
العجيب أن تلك الدول لم تكتفِ بتقسيم مملكة المغرب الإسلامي فحسب، بل قسمتها بطريقة خبيثة لم تعرفها شعوب الأرض من قبل، بحيث تضمن تفككها بشكل نهائي.
أخذت فرنسا القسم الجنوبي من مملكة المغرب "موريتانيا"، ثم أخذت إسبانيا القسم الذي يليه في الشمال "الصحراء الغربية"، ثم مرة أخرى فرنسا إلى الشمال من الصحراء "وسط المغرب الحالي" ثم إسبانيا إلى الشمال أيضًا في الساحل الشمالي للمغرب "الريف المغربي"، وبين هذا وذاك احتلت ألمانيا وبريطانيا مدنًا هنا وأخرى هناك، وظن الجميع أنهم بذلك أنهوا الوجود الإسلامي في بلاد المغرب الي الأبد .
كان للشيخ عبد الكريم الخطابي وابنه محمد جزاهما اللَّه كل خير كان لهما رأي آخر، فبدءا بتجميع القبائل المتناحرة على راية الإسلام الواحدة، ومراسلة الخليفة العثماني في عاصمة الخلافة، عندها قتل الإسبان الشيخ المجاهد عبد الكريم الخطابي رحمه اللَّه، وأسروا ابنه الشيخ محمد، ووضعوه في أحد السجون في قمة جبل من جبال المغرب.
وبطريقة أسطورية لا توصف، استطاع البطل بن البطل أن يصنع حبلًا من قماش فراشه، ليحرر به نفسه من نافذة السجن، ولكن الحبل ولسوء الحظ لم يكن بالطول الكافي ليصل بالخطابي من قمة الجبل إلى الأرض، ليقفز بطلنا من ارتفاع شاهق على الصخور الصمّاء، لتكسر بذلك ساقيه ويُغمى عليه من شدة الصدمة، قبل أن تكتشف سلطات السجن أمره وتعيده إلى السجن.
وبعد حين من الأسر خرج الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من السجن فكوِّن من رجال قبائل الريف المغربي جيشًا من ثلاثة آلاف مقاتل فقط، مبتكرًا بذلك فنًا جديدًا من فنون القتال العسكري كان هو أول من استخدمه في تاريخ الحروب تحت اسم "حرب العصابات"، وقد استخدم كل ثوار العالم بعد ذلك هذا الفن العسكري القائم على فنون المباغتة والكر والفر.
بعدها ابتكر الأمير محمد نظامًا آخر في المقاومة اعترف الزعيم الفيتنامي (هوشيمنه) أنه اقتبسه من الأمير الخطابي في قتال الفيتناميين للأمريكيين بعد ذلك بسنوات، هذا النظام هو نظام حفر الخنادق الممتدة تحت الأرض حتى ثكنات العدو، وبذلك استطاع هذا البطل الإسلامي تلقين الجيش الإسباني درسًا جديدًا في كل يومٍ من أيام القتال. ولما تضاعفت خسائر الإسبان في الريف الإسلامي قام ملك إسبانيا (ألفونسو الثالث) عشر بإرسال جيشٍ كاملٍ من مدريد تحت قيادة صديقه الجنرال (سلفستري)، والتقى الجمعان في معركة "أنوال" الخالدة، جيش إسباني منظم مكون من 60 ألف جندي مع طائراتهم ودباباتهم مقابل 3 آلاف مجاهد مسلم يحملون بنادق بدائية فقط، ولكن هذان خصمان اختصموا في ربهم، فئة تقاتل في سبيل اللَّه، وأخرى تقاتل في سبيل الأرض والصليب، فكان حقًا على اللَّه نصر المؤمنين، وفعلًا انتصر الثلاثة آلاف مجاهد تحت قيادة الأسطورة الخطّابية على جيش كامل من 60 ألف مقاتل صليبي، وقتل المسلمون 18 ألف إسباني، وأسروا عشرات الآلاف من الغزاة، ولم يسلم من الهلاك والأسر إلّا 600 جندي إسباني هربوا إلى إسبانيا ، ليقصّوا أهوال ما رأوا في الريف المغربي على ملكهم.
خارطة المناطق التي كانت تحت سيطرة إمارة الريف الإسلاميه
أسس الأمير الخطابي بعد ذلك "إمارة الريف الإسلامية" في شمال المغرب الإسلامي، وخلال 5 أعوام من إمارته قام الخطابي بتعليم الناس الدين الإسلامي الصحيح الخالي من الشعوذة والدروشة، ثم قام بإرسال البعثات العلمية لدول العالم، وتوحيد صفوف القبائل المتناحرة تحت راية الإسلام.
وكما هو متوقع بعد كل صحوة إسلامية. . . . اجتمعت الدول الإستعماريه مرة أخرى بعد أن أحست بخطر الدولة الإسلامية الوليدة التي لو بقيت لغيرت مسار التاريخ، فكوَّنوا تحالفًا من نصف مليون جندي أوروبي بدباباتهم وطائراتهم وبوارجهم الحربية، ليحاربوا به 20 ألف مجاهد فقط، فكانت المفاجأة الكبرى!
 لقد انتصر المجاهدون تحت قيادة الأمير المجاهد محمد ابن عبد الكريم الخطابي في جميع الجولات التي خاضوها، فأوقعوا الخسائر تلو الخسائر في صفوف الغزاة، مما اضطر جيوش أوروبا المتحالفة أن تشتري ذمم بعض شيوخ الطرق الصوفية المبتدعة، فقام هؤلاء الخونة بقتال الأمير الخطابي الذي كان يحارب من قبل البدع الصوفية من الرقص والدروشة وإقامة الموالد التي لم ينزل اللَّه بها من سلطان، فأصدروا فتوى تحرم القتال مع الخطابي، قبل أن تقوم طائرات فرنسا وإسبانيا بإلقاء الأسلحة الكيميائية والغازات السامة على المدنيين، في نفس الوقت الذي حاصر فيه الأسطول الإنجليزي سواحل المغرب، فقاتل الخطابي أمم الأرض مجتمعة من خونة وصليبيين .
ولما لم يبقَ معه من المجاهدين إلا 200 مقاتل عاهدوا اللَّه على الشهادة تحت قيادته، فقاتل أولئك النفر كالأسود حتى يأس الصليبيون من هزيمتهم، فلجئوا عندها إلى أسلوب قديم حديث ستجدونه يتكرر كثيرًا في قصص أمة الإسلام، لقد لجأ الصليبيون إلى طلب الصلح مع الأمير محمد مع إعطاء المسلمين الضمانات الموثقة على سلامة كل المجاهدين وإتاحة سبل العيش الكريم لأهل المغرب بكل حرية واستقلال.
 وكعادتهم. . . . نكص الصليبيون بعهودهم، فقاموا بخطف الأمير الأسطورة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي ونفيه إلى جزيرة في مجاهل المحيط الهندي، ليس لسنة أو اثنتين، بل لعشرين سنة متصلة قضاها هذا البطل في أسر دعاة حقوق الإنسان، في أسر من خرجوا للعالم بشعار الثورة الفرنسية: (Fraternite, Libere, Egalite) (حرية، مساواة، إخاء).
الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي (أسطورة المغرب الإسلامي)

في زمان أخر وبعد بعض الوقت ...........
......لم يصدق (عبد الرحمن عزام باشا) أول أمين لجامعة الدول العربية عينيه، وهو يقرأ تلك البرقية السرية التي وصلته من مجموعة من المجاهدين العرب في اليمن في يوم من أيام عام 1947 م:
(عاجل وسري للغاية. . . لقد نزلت بميناء عدن اليوم سفينة فرنسية تحمل على متنها شيخًا أسيرًا مكبلًا بالسلاسل، يشتبه أن يكون هو ذلك البطل الإسلامي الأسطوري الذي اختفى منذ عشرين عامًا. . . والسفينة في طريقها الآن إلى فرنسا وستمر غدًا بميناء بورسعيد المصري، لذا وجب التنبيه!!).
ما أن فرغ عزام باشا من قراءة هذه البرقية حتى طلب على الفور مقابلة مستعجلة مع (الملك فاروق) لمناقشة أمر هذه البرقية الخطيرة التي وصلته للتو من مضيق باب المندب، فدار نقاش سري بين عزام باشا والملك فاروق في قصر إقامته، وما هي إلّا لحظات حتى صدر قرار إلى الضباط المصريين في قناة السويس باعتراض طريق تلك السفينة الفرنسية و إحضار ذلك الشيخ الكبير إلى القصر الملكي في القاهرة للتأكد من هويته. وبعدها بأقل من أربع وعشرين ساعة أحضر الضباط المصريون إلى الملك شيخًا بلحية بيضاء كالثلج يمشي بخطوات ثابتة رغم بطئها، تبدو من بين قسمات وجهه الغائرة مظاهرٌ للعظمة والسمو لا تخفى على أحد، يلبس لباسًا أبيض غاية في البساطة، وتظهر على يديه وساقيه الهزيلتين علامات لسلاسل وأغلال وكأنها نُحتت في جلده نحتًا، فلمّا أصبح هذا الشيخ بين يدي الملك فاروق سأله ملك مصر عن هويته.
رفع الشيخ الكبير رأسه ونظر نحو الملك بعينين كعيني الصقر الجارح ثم قال بكل شموخ وثقة: (أنا الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي). . ..
 .... .... .... لو علم شبابنا ممن يعلقون صور الثائر الشيوعي (تشي جيفارا) أنه أتى للقاهرة ليتعلم من بطل الإسلام الأسطوري محمد بن عبد الكريم الخطابي، لتغير رأي شبابنا في تاريخهم الذي نسوه أو أنسوه (بضم الألف)، فصاحبنا هذا لم يكن صحابيًا، بل لم يكن عربيًا البتة، وبغض النظر عن مدى عظمة هذا البطل المغوار، فإن ذكره يأتي ردًا على أولئك المساكين الذين إذا طلبت منهم الاقتداء ببطولات الصحابة وتضحياتهم تحججوا بحجة واهية، ألا وهي أننا لسنا من جيل الصحابةً، فكان ذكر رجل ظهر في القرن العشرين الميلادي، لهو خير جوابٍ على أولئك الذين لم يقرءوا شيئًا عن تاريخ أمتهم المشرق.
إستمتع و تابع أيضا :


عبدالله بن حذافة السهمي

أدهى العرب لولا الإسلام

أكبر صلاة جنازه في التاريخ 



كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

السبت، 29 فبراير 2020

سالم مولى أبي حذيفة ( بل نعم حامل القرآن )

سالم مولى أبي حذيفة ( بل نعم حامل القرآن )
 أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوما، فقال:
    " خذوا القرآن من أربعة:
    عبدالله بن مسعود
    وسالم مولى أبي حذيفة..
    وأبيّ بن كعب..
    ومعاذ بن جبل.."

ونتكلم هنا عن سالم، مولى أبي حذيفة..
وقد كان عبدا رقيقا، رفع الإسلام من شأنه حتى جعل منه ابنا لواحد من كبار المسلمين كان قبل إسلامه شريفا من أشراف قريش، وزعيما من زعمائها..
ولما أبطل الإسلام عادة التبني، صار أخا ورفيقا، ومولى للذي كان يتبناه وهو الصحابي الجليل: أبو حذيفة بن عتبة..
وبفضل من الله ونعمة على سالم بلغ بين المسلمين شأوا رفيعا وعاليا، أهّلته له فضائل روحه، وسلوكه وتقواه.. وعرف الصحابي الجليل بهذه التسمية: سالم مولى أبي حذيفة.
ذلك أنه كان رقيقا وأعتق..
          وآمن باله إيمانا مبكرا..
          وأخذ مكانه بين السابقين الأولين..
وكان حذيفة بن عتبة، قد باكر هو الآخر وسارع إلى الإسلام تاركا أباه عتبة بن ربيعة يجتر مغايظه وهموهه التي عكّرت صفو حياته، بسبب إسلام ابنه الذي كان وجيها في قومه، وكان أبوه يعدّه للزعامة في قريش..
وتبنى أبو حذيفة سالما بعد عتقه، وصار يدعى بسالم بن أبي حذيفة..
وراح الاثنان يعبدان ربهما في إخبات, وخشوع.. ويصبران أعظم الصبر على أذى قريش وكيدها..
وذات يوم نزلت آية القرآن التي تبطل عادة التبني.. وعاد كل متبني ليحمل اسم أبيه الحقيقي الذي ولده وأنجبه..
فـزيد بن حارثة مثل، الذي كان النبي عليه الصلاة والسلام قد تبناه، وعرف بين المسلمين بزيد بن محمد، عاد يحمل اسم أبيه حارثة فصار زيد بن حارثة ولكنّ سالما لم يكن يعرف له أب, فوإلى أبا حذيفة، وصار يدعى سالم مولى أبي حذيفة..
 ولعل الإسلام حين أبطل عادة التبني، إنما أراد أن يقول للمسلمين لا تلتمسوا رحما، ولا قربى، ولا صلة تؤكدون بها إخاءكم، أكبر ولا أقوى من الإسلام نفسه.. والعقيدة التي يجعلكم بها إخوانا..!!
ولقد فهم المسلمون الأوائل هذا جيدا..
فلم يكن شيء أحب إلى أحدهم بعد الله ورسوله، من إخوانهم في الله وفي الإسلام.. ولقد رأينا كيف استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين، فشاطروهم أموالهم، ومساكنهم، وكل ما يملكون..!!
وهذا هو الذي رأينا يحدث بين أبي حذيفة الشريف في قريش، مع سالم الذي كان عبدا رقيقا، لا يعرف أبوه..
لقد ظلا إلى آخر لحظة من حياتهما أكثر من اخوين شقيقين حتى عند الموت ماتا معا.. الروح مع الروح.. والجسد إلى جوار الجسد..!!
    تلك عظمة الإسلام الفريدة..
   بل تلك واحدة من عظائمه ومزاياه..!!
لقد آمن سالم إيمان الصادقين.. وسلك طريقه إلى الله سلوك الأبرار المتقين.. فلم يعد لحسبه، ولا لموضعه من المجتمع أي اعتبار..
لقد ارتفع بتقواه وإخلاصه إلى أعلى مراتب المجتمع الجديد الذي جاء الإسلام يقيمه وينهضه على أساس جديد عادل عظيم... أساس تلخصه الآية الجليلة: " إن أكرمكم عند الله أتقاكم"..!!
    والحديث الشريف:
    " ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى"..
    و" ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى"..
في هذا المجتمع الجديد الراشد، وجد أبو حذيفة شرفا لنفسه أن يوالي من كان بالأمس عبدا..
بل ووجد شرفا لأسرته، أن يزوج سالما ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بنت عتبة..!!
وفي هذا المجتمع الجديد، والرشيد، الذي هدّم الطبقية الظالمة، وأبطل التمايز الكاذب، وجد سالم بسبب صدقه، وإيمانه، وبلائه، وجد نفسه في الصف الأول دائما..!!
أجل.. لقد كان إماما للمهاجرين من مكة إلى المدينة طوال صلاتهم في مسجد قباء..
وكان حجة في كتاب الله، حتى أمر النبي المسلمين أن يتعلموا منه..!!
كان معه من الخير والتفوق ما جعل الرسول عليه السلام يقول له: " الحمد لله، الذي جعل في أمتي مثلك"..!!
وحتى كان إخوانه المؤمنين يسمونه: " سالم من الصالحين"..!!
ان قصة سالم كقصة بلال وكقصة عشرات العبيد، والفقراء الذين نفض عنهم عوادي الرق والضعف، وجعلهم في مجتمع الهدى والرشاد أئمة، وزعماء وقادة..
كان سالم ملتقى لكل فضائل الإسلام الرشيد..
كانت الفضائل تزدحم فيه وحوله.. وكان إيمانه العميق الصادق ينسقها أجمل تنسيق.
وكان من أبرز مزاياه الجهر بما يراه حقا.. انه لا يعرف الصمت تجاه كلمة يرى من واجبه أن يقولها.. ولا يخون الحياة بالسكوت عن خطأ يؤدها..
بعد أن فتحت مكة للمسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض السرايا إلى ما حول مكة من قرى وقبائل، وأخبرهم أنه عليه السلام، إنما يبعث بهم دعاة لا مقاتلين..
وكان على رأس إحدى هذه السرايا خالد بن الوليد..
وحين بلغ خالد وجهته، حدث ما جعله يستعمل السيوف، ويرق الدماء..
هذه الواقعة التي عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم نبأها، اعتذر إلى ربه طويلا، وهو يقول:
" اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"..!!
والتي ظل أمير المؤمنين عمر يذكرها له ويأخذها عليه, ويقول:
" إن في سيف خالد رهقا"..
وكان يصحب خالد في هذه السرية سالم مولى أبي حذيفة مع غيره من الأصحاب..
ولم يكد سالم يرى صنيع خالد حتى واجهه بمناقشة حامية، وراح يعدّد له الأخطاء التي ارتكبت..
وخالد البطل القائد، والبطل العظيم في الجاهلية، والإسلام، ينصت مرة ويدافع عن نفسه مرة ثانية ويشتد في القول مرة ثالثة وسالم مستمسك برأيه يعلنه في غير تهيّب أو مداراة..
 لم يكن سالم آنئذ ينظر إلى خالد كشريف من أشراف مكة.. بينما هو من كان بالأمس القريب رقيقا.
لا.. فقد سوّى الإسلام بينهما..!!
ولم يكن ينظر إليه كقائد تقدّس أخطاؤه.. بل كشريك في المسؤولية والواجب..
ولم يكن يصدر في معارضته خالدا عن غرض, أو سهوه, بل هي النصيحة التي قدّس الإسلام حقها، والتي طالما سمع نبيه عليه الصلاة والسلام يجعلها قوام الدين كله حين يقول:
 " الدين النصيحة..  الدين النصيحة.. الدين النصيحة".
ولقد سأل  الرسول عليه السلام، عندما بلغه صنيع خالد بن الوليد..
سأل عليه السلام قائلا: " هل أنكر عليه أحد"..؟؟
ما أجله سؤالا، وما أروعه..؟؟!!
وسكن غضبه عليه السلام حين قالوا له:" نعم.. راجعه سالم وعارضه"..
وعاش سالم مع رسوله والمؤمنين.. لا يتخلف عن غزوة ولا يقعد عن عبادة..
وكان إخاؤه مع أبي حذيفة يزداد مع الأيام تفانيا وتماسكا.. 
وانتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى.. وواجهت خلافة أبي كبر رضي الله عنه مؤامرات المرتدّين..
وجاء يوم اليمامة..
وكانت حربا رهبة، لم يبتل الإسلام بمثلها..
وخرج المسلمون للقتال..
وخرج سالم وأخوه في الله أبو حذيفة..
وفي بدء المعركة لم يصمد المسلمون للهجوم.. وأحسّ كل مؤمن أن المعركة معركته، والمسؤولية مسؤوليته..
وجمعهم خالد بن الوليد من جديد.. وأعاد تنسيق  الجيش بعبقرية مذهلة..
وتعانق الأخوان أبو حذيفة وسالم وتعاهدا على الشهادة في سبيل الدين الحق الذي وهبهما سعادة الدنيا والآخرة.. وقذفا نفسيهما في الخضمّ الرّهيب..!!
كان أبو حذيفة ينادي:
    " يا أهل القرآن..
    زينوا القرآن بأعمالكم".
وسيفه يضرب كالعاصفة في جيش مسيلمة الكذاب.
وكان سالم يصيح:
    " بئس حامل القرآن أنا..لو هوجم المسلمون من قبلي"..!!
وكان سيفه صوّال جوّال في أعناق المرتدين، الذين هبوا ليعيدوا جاهلية قريش.. ويطفؤا نور الإسلام..
وهوى سيف من سيوف الردة على يمناه فبترها.. وكان يحمل بها راية المهاجرين بعد أن سقط حاملها زيد بن الخطاب...
ولما رأى يمناه تبتر، التقط الراية بيسراه وراح يلوّح بها إلى أعلى وهو يصيح تاليا الآية الكريمة:
( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146}آل عمران)...

ألا أعظم به من شعار.. ذلك الذي اختاره يوم الموت شعارا له..!!
وأحاطت به غاشية من المرتدين فسقط البطل.. ولكن روحه ظلت تتردد في جسده الطاهر، حتى انتهت المعركة بقتل مسيلمة الكذاب واندحار جيش مسيلمة وانتصار المسلمين..
وبينما المسلمون يتفقدون ضحاياهم وشهداءهم وجدوا سالما في النزع الأخير..
وسألهم: ما فعل أبو حذيفة..؟؟
قالوا: استشهد..
قال: فأضجعوني إلى جواره..
قالوا: إنه إلى جوارك يا سالم.. لقد استشهد في نفس المكان..!!
وابتسم ابتسامته الأخيرة..
ولم يعد يتكلم..!!
لقد أدرك هو وصاحبه ما كانا يرجوان..!!
    معا أسلما..
    ومعا عاشا..
    ومعا استشهدا..
    يا لروعة الحظوظ، وجمال المقادير..!!
وذهب إلى الله، المؤمن الكبير الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يموت: " لو كان سالم حيّا، لوليته الأمر من بعدي"..!


إستمتع و تابع أيضا :


عبدالله بن حذافة السهمي

أدهى العرب لولا الإسلام

أكبر صلاة جنازه في التاريخ 




كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته

الجمعة، 28 فبراير 2020

بلال بن رباح

 بلال بن رباح ( الساخر من الأهوال )

كان  عمر بن الخطاب, إذا ذكر أبو بكر قال:
" أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا"..
يعني بلالا رضي الله عنه..
وإن رجلا يلقبه عمر بسيدنا هو رجل عظيم ومحظوظ..
لكن هذا الرجل الشديد السمرة, النحيف الناحل, المفرط الطول الكث الشعر, الخفيف العارضين, لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه إليه, وتغدق عليه, إلا ويحني رأسه ويغض طرفه, ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل:
"إنما أنا حبشي.. كنت بالأمس عبدا"..!!
انه "بلال بن رباح" مؤذن الإسلام , ومزعج الأصنام..
في كل عشرة مسلمين.
إن هناك مئات الملايين من البشر عبر القرون والأجيال عرفوا بلالا, وحفظوا اسمه, وعرفوا دوره. تماما كما عرفوا أعظم خليفتين في الإسلام : أبي بكر وعمر...!!
وانك لتسأل الطفل الذي لا يزال يحبو في سنوات دراسته الأولى في مصر, أو باكستان, أو الصين..
في كل بقعة من الأرض يقطنها مسلمون, تستطيع أن تسأل أي طفل مسلم: من بلال يا غلام؟
فيجيبك: انه مؤذن الرسول.. وانه العبد الذي كان  سيّده يعذبه بالحجارة المستعرّة ليردّه عن دينه, فيقول:
"أحد.. أحد.."
وحينما تبصر هذا الخلود الذي منحه الإسلام  بلالا.. فاعلم إن بلال هذا, لم يكن قبل الإسلام  أكثر من عبد رقيق, يرعى ابل سيّده على حفنات من التمر, حتى يطو به الموت, ويطوّح به إلى أعماق النسيان..لكن صدق إيمانه, وعظمة الدين الذي آمن به بوأه في حياته, وفي تاريخه مكان ا عليّا في الإسلام  بين العظماء والشرفاء والكرماء...
إن كثيرا من أبطال التاريخ لم ينالوا من الشهرة التاريخية بعض الذي ناله بلال..
إن سواد بشرته, وتواضع حسبه ونسبه, وهوانه على الإنس كعبد رقيق, لم يحرمه حين آثر الإسلام  دينا, من إن يتبوأ المكان  الرفيع الذي يؤهله له صدقه ويقينه, وطهره, وتفانيه..
 إن ذلك كله لم يكن له في ميزان تقييمه وتكريمه أي حساب, إلا حساب الدهشة حين توجد العظمة في غير مظانها..
فلقد كان  الناس يظنون إن عبدا مثل بلال, ينتمي إلى أصول غريبة.. ليس له أهل, ولا حول, ولا يملك من حياته شيئا, فهو ملك لسيّده الذي اشتراه بماله.. يروح ويغدو وسط شويهات سيده وإبله وماشيته..
كانوا يظنون إن مثل هذا الكائن, لا يمكن أن يقدر على شيء ولا أن يكون شيئا..
ثم اذا هو يخلف الظنون جميعا, فيقدر على إيمان, هيهات ان يقدر على مثله سواه.. ثم يكون أول مؤذن للرسول والإسلام  العمل الذي كان  يتمناه لنفسه كل سادة قريش وعظمائها من الذين أسلموا واتبعوا الرسول..!!
كان  يعيش عيشة الرقيق, تمضي أيامه متشابهة قاحلة, لا حق له في يومه, ولا أمل له في غده..!!
ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه, حين أخذ الإنس في مكة يتناقلونها, وحين كان  يصغي إلى أحاديث ساداته وأضيافهم, سيما "أمية بن خلف" أحد شيوخ بني جمح القبيلة التي كان  بلال أحد عبيدها..
لطالما سمع أمية وهو يتحدّث مع أصدقائه حينا, وأفراد قبيلته أحيانا عن الرسول حديثا يطفح غيظا, وغمّا وشرا..
وكانت أذن بلال تلتقط من بين كلمات الغيظ المجنون, الصفات التي تصور له هذا الدين الجديد.. وكان  يحس أنها صفات جديدة على هذه البيئة التي يعيش فيها.. كما كان ت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعدة المتوعدة اعترافهم بشرف محمد وصدقه وأمانته..!!
أجل انه ليسمعهم يعجبون, ويحارون, في هذا الذي جاء به محمد..!!
ويقول بعضهم لبعض: ما كان  محمد يوما كاذبا. ولا ساحرا..ولا مجنونا.. وإن لم يكن لنا بد من وصمه اليوم بذلك كله, حتى نصدّ عنه الذين سيسارعون إلى دينه..!!
سمعهم يتحدّثون عن أمانته..
عن وفائه..
عن رجولته وخلقه..
عن نزاهته ورجاحة عقله..
وسمعهم يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحديّ وعداوته, تلك هي: ولاؤهم لدين آبائهم أولا. والخوف على مجد قريش ثانيا, ذلك المجد الذي يفيئه عليها مركزها الديني, كعاصمة للعبادة والنسك في جزيرة العرب كلها, ثم الحقد على بني هاشم, إن يخرج منهم دون غيرهم نبي ورسول...!
وذات يوم يبصر بلال ب رباح نور الله, ويسمع في أعماق روحه الخيّرة رنينه, فيذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويسلم..
ولا يلبث خبر إسلامه أن يذيع.. وتدور الأرض برؤوس أسياده من بني جمح.. تلك الرؤوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور..!! وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أميّة بن خلف الذي رأى في إسلام عبد من عبيدهم لطمة جللتهم جميعا بالخزي والعار..
عبدهم الحبشي يسلم ويتبع محمد..؟!
ويقول أميّة لنفسه: ومع هذا فلا بأس.. إن شمس هذا اليوم لن تغرب إلا ويغرب معها إسلام هذا العبد الآبق..!!
ولكن الشمس لم تغرب قط بإسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها, وحماة الوثنية فيها...!
أما بلال فقد كان  له موقف ليس شرفا للإسلام وحده, وإن كان  الإسلام  أحق به, ولكنه شرف للإنسانية جميعا..لقد صمد لأقسى ألوان التعذيب صمود الأبرار العظام.
ولكان ما جعله الله مثلا على إن سواد البشرة وعبودية الرقبة لا ينالان من عظمة الروح اذا وجدت إيمانها, واعتصمت بباريها, وتشبثت بحقها..
لقد أعطى بلال درسا بليغا للذين في زمانه, وفي كل مكان, للذين على دينه وعلى كل دين.. درسا فحواه إن حريّة  الضمير وسيادته لا يباعان بملء الأرض ذهبا, 
ولا بملئها  عذابا..
لقد وضع عريانا فوق الجمر, على إن يزيغ عن دينه, أو يزيف اقتناعه فأبى..
لقد جعل الرسول عليه الصلاة والسلام, والإسلام , من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذا للبشرية كلها في فن احترام الضمير, والدفاع عن حريته وسيادته..
لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة.. فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان, ثم يأتون بحجر مستعر كالحميم ينقله 
من مكانه بضعة رجال, ويلقون به فوق جسده وصدره..
ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم, حتى رقّت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جلاديه, فرضوا آخر الأمر إن يخلوا سبيله, على إن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم, ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم وإصراره.
ولكن حتى هذه الكلمة الواحدة العابرة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه, ويشتري بها حياته نفسه, دون إن يفقد إيمانه, ويتخلى عن اقتناعه..
حتى هذه الكلمة الواحدة رفض بلال إن يقولها..!
نعم لقد رفض ان يقولها, وصار يردد مكانها نشيده الخالد:"أحد أحد"
يقولون له: قل كما نقول..
فيجيبهم في تهكم عجيب وسخرية كاوية:
"إن لساني لا يحسنه"..!!
ويظل بلال في ذوب الحميم وصخره, حتى اذا حان الأصيل أقاموه, وجعلوا في عنقه حبلا, ثم أمروا صبيانهم إن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها. وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس:" أحد أحد".
وكان ي اذا جنّ عليهم الليل يساومونه: غدا قل كلمات خير في آلهتنا, قل ربي اللات والعزى, لنذرك وشأنك, فقد تعبنا من تعذيبك, حتى لكان لنا نحن المعذبون!
فيهز رأسه ويقول:" أحد.. أحد..".
ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غمّا وغيظا, ويصيح: أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء..؟واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلا.
ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس:
"أحد.. أحد.."
ويعود للحديث والمساومة, من وكل إليه تمثيل دور المشفق عليه, فيقول: خل عنك يا أميّة.. واللات لن يعذب بعد اليوم, إن بلالا منا أمه جاريتنا, وانه لن يرضى إن يجعلنا بإسلامه حديث قريش وسخريّتها..
ويحدّق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة, ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر, ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالا:
"أحد.. أحد.."
وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة, ويؤخذ بلال إلى الرمضاء, وهو صابر محتسب, صامد ثابت.
ويذهب إليهم أبو بكر الصديق وهو يعذبونه, ويصيح بهم:
(أتقتلون رجلا إن يقول ربي الله)؟؟
ثم يصيح في أميّة بن خلف: خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا..
وكان ما كان  أمية يغرق وأدركه زورق النجاة..
لقد طابت نفسه وسعدت حين سمع أبا بكر يعرض ثمن تحريره إذ كان  اليأس من تطويع بلال قد بلغ في  نفوسهم أشده, ولأنهم كانوا من التجار, فقد أدركوا إن بيعه أربح لهم من موته..
باعوه  لأبي بكر الذي حرّره من فوره, وأخذ بلال مكانه بين الرجال الأحرار...
وحين كان  الصدّيق يتأبط ذراع بلال منطلقا به إلى الحرية قال له أمية: خذه, فواللات والعزى, لو أبيت إلا إن تشتريه بأوقية واحدة لبعتكه بها..
وفطن أبو بكر لما في هذه الكلمات من مرارة اليأس وخيبة الأمل وكان  حريّا بألا يجيبه..
ولكن لأن فيها مساسا بكرامة هذا الذي قد صار أخا له, وندّا,أجاب أمية قائلا: 
والله لو أبيتم أنتم إلا مائة أوقية لدفعتها..!!
وانطلق بصاحبه إلى رسول الله يبشره بتحريره.. وكان  عيدا عظيما!
وبعد هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة, واستقرارهم بها, يشرّع الرسول للصلاة أذانها..
فمن يكون المؤذن للصلاة خمس مرات كل يوم..؟ وتصدح عبر الأفق تكبيراته وتهليلاته..؟
انه بلال.. الذي صاح منذ ثلاث عشرة سنة والعذاب يهدّه ويشويه أن: "الله أحد..أحد".
لقد وقع اختيار الرسول عليه اليوم ليكون أول مؤذن للإسلام.
وبصوته النديّ الشجيّ مضى يملأ الأفئدة إيمانا, والأسماع روعة وهو ينادى:

الله أكبر.. الله أكبر

الله أكبر .. الله أكبر

أشهد أن لا إله إلا الله

أشهد أن لا اله إلا الله

أشهد أن محمدا رسول الله

أشهد أن محمدا رسول الله

حي على الصلاة

حي على الصلاة

حي على الفلاح

حي على الفلاح

الله أكبر.. الله أكبر

لا إله إلا الله...



ونشب القتال بين المسلمين وجيش قريش الذي  قدم إلى المدينة غازيا..
وتدور الحرب عنيفة قاسية ضارية..وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الإسلام , غزوة بدر.. تلك الغزوة التي أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعارها: "أحد..أحد".
في هذه الغزوة ألقت قريش بأفلاذ أكبادها, وخرج أشرافها جميعا لمصارعهم..!!
ولقد همّ بالنكوص عن الخروج "أمية بن خلف" .. هذا الذي كان  سيدا لبلال, والذي كان  يعذبه في وحشيّة قاتلة..
همّ بالنكوص لولا إن ذهب إليه صديقه "عقبة بن أبي معيط" حين علم عن نبأ تخاذله وتقاعسه, حاملا في يمينه مجمرة حتى اذا واجهه وهو جالس وسط قومه, 
ألقى الجمرة بين يديه وقال له: يا أبا علي, استجمر بهذا, فإنما أنت من النساء..!!!
وصاح به أمية قائلا: قبحك الله, وقبّح ما جئت به..
ثم لم يجد بدّا من الخروج مع الغزاة فخرج..
أيّة أسرار للقدر, يطويها وينشرها..؟
لقد كان  عقبة بن أبي معيط أكبر مشجع لأمية على تعذيب بلال, وغير بلال من المسلمين المستضعفين..
واليوم هو نفسه الذي يغريه بالخروج إلى غزوة بدر التي سيكون فيها مصرعه..!!
كما سيكون فيها مصرع عقبة أيضا!
لقد كان  أمية من القاعدين عن الحرب.. ولولا تشهير عقبة به على هذا النحو الذي رأيناه لما خرج..!!
ولكن الله بالغ أمره, فليخرج أمية فإن بينه وبين عبد من عباد الله حسابا قديما, جاء أوان تصفيته, فالديّان لا يموت, وكما تدينون تدانون..!!
وإن القدر ليحلو له أن يسخر بالجبارين.. فعقبة الذي كان  أمية يصغي لتحريضه, ويسارع إلى هواه في تعذيب المؤمنين الأبرياء, هو نفسه الذب سيقود أميّة 
إلى مصرعه..
وبيد من..؟
بيد بلال نفسه.. وبلال وحده!!
نفس اليد التي طوّقها أميّة بالسلاسل, وأوجع صاحبها ضربا, وعذابا..
مع هذه اليد ذاتها, هي اليوم, وفي غزوة بدر, على موعد أجاد القدر توقيته, مع جلاد قريش الذي أذل المؤمنين بغيا وعدوا..ولقد حدث هذا تماما..
وحين بدأ القتال بين الفريقين, وارتج جانب المعركة من قبل المسلمين بشعارهم:" أحد.. أحد" انخلع  قلب أمية, وجاءه النذير..
إن الكلمة التي كان  يرددها بالأمس عبد تحت وقع العذاب والهول قد صارت اليوم شعار دين بأسره وشعار الأمة الجديدة كلها..!!
"أحد..أحد"؟؟!!
أهكذا..؟ وبهذه السرعة.. وهذا النمو العظيم..؟؟
وتلاحمت السيوف وحمي القتال..
وبينما المعركة تقترب من نهايتها, لمح أمية بن خلف" عبد الرحمن بن عوف" صاحب رسول الله, فاحتمى به, وطلب إليه أن يكون أسيره رجاء إن يخلص بحياته..
وقبل عبد الرحمن عرضه وأجاره, ثم سار به وسط العمعمة إلى مكان  السرى.
وفي الطريق لمح بلال فصاح قائلا: "رأس الكفر أميّة بن خلف.. لا نجوت إن نجا".
ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي لطالما أثقله الغرور والكبر, فصاح به عبد الرحمن بن عوف: "أي بلال.. إنه أسيري".
أسير والحرب مشبوبة دائرة..؟
أسير وسيفه يقطر دما مما كان  يصنع قبل لحظة في أجساد المسلمين..؟
لا.. ذلك في رأي بلال ضحك بالعقول وسخرية.. ولقد ضحك أمية وسخر بما فيه الكفاية..
سخر حتى لم يترك من السخرية بقية يدخرها ليوم مثل هذا اليوم, وهذا المأزق, وهذا المصير..!!
ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين عبد الرحمن بن عوف, فصاح بأعلى صوته في المسلمين:
"يا أنصار الله.. رأس الكفر أمية بن خلف, لا نجوت إن نجا"...!
وأقبلت كوكبة من المسلمين تقطر سيوفهم المنايا, وأحاطت بأمية وابنه ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا..
وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويلة, ثم هرول عنه مسرعا وصوته النديّ يصيح:
"أحد.. أحد.."
لا أظن أن من حقنا أن نبحث عن فضيلة التسامح لدى بلال في مثل هذا المقام..
فلو أن اللقاء بين بلال وأمية تمّ في ظروف أخرى, لجاز لنا أن نسال بلالا حق التسامح, وما كان  لرجل في مثل إيمانه وتقاه أن يبخل به.
لكن اللقاء الذي تم بينهما, كان  في حرب, جاءها كل فريق ليفني غريمه..
السيوف تتوهج.. والقتلى يسقطون.. والمنايا تتواثب, ثم يبصر بلال أمية الذي لم يترك في جسده موضع أنملة إلا ويحمل آثار تعذيب.
وأين يبصره وكيف..؟
يبصره في ساحة الحرب والقتال يحصد بسيفه كل ما يناله من رؤوس المسلمين, ولو أدرك رأس بلال ساعتئذ لطوّح به..
في ظروف كهذه يلتقي الرجلان فيها, لا يكون من المنطق العادل في شيء إن نسأل بلالا: لماذا لم يصفح الصفح الجميل..؟؟
وتمضي الأيام وتفتح مكة..
ويدخلها الرسول شاكرا مكبرا على رأس عشرة آلاف من المسلمين..
ويتوجه إلى الكعبة رأسا.. هذا المكان  المقدس الذي زحمته قريش بعدد أيام السنة من الأصنام..!!
لقد جاء الحق وزهق الباطل..
ومن اليوم لا عزى.. ولا لات.. ولا هبل.. لن يجني الإنسان بعد اليوم هامته لحجر, ولا وثن.. ولن يعبد الناس ملء ضمائرهم إلا الله إلي ليس كمثله شيء, الواحد الأحد, الكبير المتعال..
ويدخل الرسول الكعبة, مصطحبا معه بلال..!
ولا يكاد يدخلها حتى يواجه تمثالا منحوتا, يمثل إبراهيم عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام, فيغضب الرسول ويقول:
"قاتلهم الله.. ما كان  شيخنا يستقسم بالأزلام.. ما كان  إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان  حنيفا مسلما وما كان  من المشركين". 
ويأمر بلال أن يعلو ظهر المسجد, ويؤذن.
ويؤذن بلال.. فيالروعة الزمان, والمكان , والمناسبة..!!
كفت الحياة في مكة عن الحركة, ووقفت الألوف المسلمة كالنسمة الساكنة, تردد في خشوع وهمس كلمات الأذان وراء بلال.
والمشركون في بيوتهم لا يكادون يصدقون:
أهذا هو محمد وفقراؤه الذين أخرجوا بالأمس من هذا الديار..؟؟
أهذا هو حقا, ومعه عشرة آلاف من المؤمنين..؟؟
أهذا هو حقا الذي قاتلناه, وطاردناه, وقتلنا أحب الناس إليه..؟
أهذا هو حقا الذي كان  يخاطبنا من لحظات ورقابنا بين يديه, ويقول لنا:
"اذهبوا فأنتم الطلقاء"..!!
ولكن ثلاثة من أشراف قريش, كانوا جلوسا بفناء الكعبة, وكان ما يلفحهم مشهد بلال وهو يدوس أصنامهم بقدميه, ويرسل من فوق ركامها المهيل صوته بالأذان المنتشر في آفاق مكة كلها كعبير الربيع..
أما هؤلاء الثلاثة فهم, أبو سفيان بن حرب, وكان  قد أسلم منذ ساعات, وعتّاب بن أسيد, والحارث بن هشام, وكان  لم يسلما بعد.
قال عتاب وعينه على بلال وهو يصدح بأذانه:
لقد أكرم الله أسيدا, ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه. وقال الحارث:
أما والله لو أعلم إن محمدا محق لاتبعته..!!
وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائلا:
إني لا أقول شيئا, فلو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى!! وحين غادر النبي الكعبة رآهم, وقرأ وجوههم في لحظة, قال وعيناه تتألقان بنور الله, وفرحة النصر:
قد علمت الذي قلتم..!!!
ومضى يحدثهم بما قالوا..
فصاح الحارث وعتاب:
نشهد أنك رسول الله, والله ما سمعنا أحد فنقول أخبرك..!!
واستقبلا بلال بقلوب جديدة..في أفئدتهم صدى الكلمات التي سمعوها في خطاب الرسول أول دخول مكة:
" يامعشر قريش..إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء.. الناس من آدم وآدم من تراب"..
وعاش بلال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, يشهد معه المشاهد كلها, يؤذن للصلاة, ويحيي ويحمي شعائر هذا الدين العظيم الذي أخرجه من الظلمات إلى النور, ومن الرق إلى الحريّة..
وعلا شأن الإسلام , وعلا معه شأن المسلمين, وكان  بلال يزداد كل يوم قربا من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان  يصفه بأنه:" رجل من أهل الجنة"..
لكن بلالا بقي كما هو كريما متواضعا, لا يرى نفسه إلا أنه:" الحبشي الذي كان  بالأمس عبدا"..!!
ذهب يوما يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما:

"أنا بلال, هذا أخي عبدان من الحبشة.. كنا ضالين فهدانا الله.. وكنا عبدين فأعتقنا الله.. إن تزوّجونا فالحمد لله.. وإن تمنعونا فالله أكبر.."!!
وذهب الرسول إلى الرفيق الأعلى راضيا مرضيا, ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته أبو بكر الصديق..
وذهب بلال إلى خليفة رسول الله يقول له:
" يا خليفة رسول الله..إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل عمل لمؤمن الجهاد في سبيل الله"..
فقال له أبو بكر: فما تشاء يا بلال..؟
قال: أردت إن أرابط في سبيل الله حتى أموت..
قال أبو بكر ومن يؤذن لنا؟
قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع, إني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله.
قال أبو بكر: بل ابق وأذن لنا يا بلال..
قال بلال: إن كنت أعتقتني لأكون لك فليكن لك ما تريد. وإن كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له..
قال أبو بكر: بل أعتقتك لله يا بلال..
ويختلف الرواة, فيروي بعضهم أنه سافر إلى الشام حيث بقي فيها مجاهدا مرابطا.
ويروي بعضهم الآخر, أنه قبل رجاء أبي بكر في أن يبقى معه بالمدينة, فلما قبض وولي عمر الخلافة استأذنه وخرج إلى الشام.
على أية حال, فقد نذر بلال بقية حياته وعمره للمرابطة في ثغور الإسلام , مصمما إن يلقى الله ورسوله وهو على خير عمل يحبانه.
ولم يعد يصدح بالأذان بصوته الشجي الحفيّ المهيب, ذلك أنه لم ينطق في أذانه "أشهد أن محمدا رسول الله" حتى تجيش به الذميات فيختفي صوته تحت وقع 
أساه, وتصيح بالكلمات دموعه وعبراته.
وكان  آخر أذان له أيام زار أمير المؤمنين عمر وتوسل المسلمون إليه أن يحمل بلالا على أن يؤذن لهم صلاة واحدة.
ودعا أمير المؤمنين بلال, وقد حان وقت الصلاة ورجاه أن يؤذن لها.
وصعد بلال وأذن.. فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله وبلال يؤذن له.. بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا.. وكان  عمر أشدهم بكاء..!!
ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد.
وتحت ثرى دمشق يثوي اليوم رفات رجل من أعظم رجال البشر صلابة في الوقوف إلى جانب العقيدة والاقتناع... 



إستمتع و تابع أيضا :


عبدالله بن حذافة السهمي

أدهى العرب لولا الإسلام

أكبر صلاة جنازه في التاريخ 




كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته




الثلاثاء، 4 فبراير 2020

سعيد بن عامر ( العظمة تحت الأسمال ) 

سعيد بن عامر 

العظمة تحت الأسمال

إنه واحد من كبار الصحابة رضي الله عنهم, وان لم يكن لاسمه ذلك الرنين المألوف لأسماء كبار الصحابة وهو  واحد من كبار الأتقياء الأخفياء.
ولعل من نافلة القول وتكراره, أن ننوه بملازمته رسول الله في جميع مشاهده وغزواته.. فذلك كان نهج المسلمين جميعا.
وما كان لمؤمن أن يتخلف عن رسول الله في سلم أو جهاد.أسلم سعيد قبيل فتح خيبر, ومنذ عانق الإسلام وبايع الرسول, أعطاهما كل حياته, ووجوده ومصيره.فالطاعة, والزهد, والسمو.. والإخبات, والورع, والترفع.
كل الفضائل العظيمة وجدت في هذا الإنسان الطيب الطاهر أخا وصديقا كبيرا..وحين نسعى للقاء عظمته ورؤيتها, علينا أن نكون من الفطنة بحيث لا نخدع عن هذه العظمة وندعها تفلت منا وتتنكر..فحين تقع العين على سعيد في الزحام, لن ترى شيئا يدعوها للتلبث والتأمل.

ستجد العين واحدا من أفراد الكتيبة .. أشعث أغبر. . ليس في ملبسه, ولا في شكله الخارجي, ما يميزه عن فقراء المسلمين بشيء.!!فإذا جعلنا من ملبسه ومن شكله الخارجي دليلا على حقيقته, فلن نبصر شيئا.

ان عظمة هذا الرجل أكثر أصالة من أن تتبدى في أيّ من مظاهر البذخ والزخرف.
إنها هناك كامنة مخبوءة وراء بساطته وأسماله.
أتعرفون اللؤلؤ المخبوء في جوف الصدف..؟ 

إنه شيء يشبه هذا..

عندما عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب معاوية عن ولاية الشام, تلفت حواليه يبحث عن بديل يوليه مكانه.وأسلوب عمر في اختيار ولاته ومعاونيه, أسلوب يجمع أقصى غايات الحذر, والدقة, والأناة.. ذلك أنه كان يؤمن أن أي خطأ يرتكبه والٍ في أقصى الأرض سيسأل عنه الله اثنين: عمر أولا.. وصاحب الخطأ ثانيا..  ومعاييره في تقييم الناس واختيار الولاة مرهفة, ومحيطة,وبصيرة, أكثر ما يكون البصر حدة ونفاذا.
والشام يومئذ حاضرة كبيرة, والحياة فيها قبل دخول الإسلام بقرون, تتقلب بين حضارات متساوقة.. وهي مركز هام لتجارة. ومرتع رحيب للنعمة.. وهي بهذا, ولهذا درء إغراء. ولا يصلح لها في رأي عمر إلا قديس تفر كل شياطين الإغراء أمام عزوفه.. وإلا زاهد, عابد, قانت, أواب.
وصاح عمر: قد وجدته, إليّ بسعيد بن عامر..!!وفيما بعد يجيء سعيد إلى أمير المؤمنين ويعرض عليه ولاية حمص..ولكن سعيدا يعتذر ويقول: " لا تفتنّي يا أمير المؤمنين".
فيصيح به عمر:" والله لا أدعك.. أتضعون أمانتكم وخلافتكم في عنقي.. ثم تتركوني".
واقتنع  سعيد في لحظة, فقد كانت كلمات عمر حريّة بهذا الإقناع.أجل. ليس من العدل أن يقلدوه أمانتهم وخلافتهم, ثم يتركوه وحيدا..وإذا انفض عن مسؤولية الحكم أمثال سعيد بن عامر, فأنّى لعمر من يعينه على تبعات الحكم الثقال..؟؟
خرج سعيد إلى حمص ومعه زوجته, وكانا عروسين جديدين, وكانت عروسه منذ طفولتها فائقة الجمال والنضرة.. وزوّده عمر بقدر طيّب من المال.
ولما استقرّا في حمص أرادت زوجته أن تستعمل حقها كزوجة في استثمار المال الذي زوده به عمر.. وأشارت عليه بأن يشتري ما يلزمهما من لباس لائق, ومتاع وأثاث.. ثم يدخر الباقي..وقال لها سعيد: ألا أدلك على خير من هذا..؟؟ 
نحن في بلاد تجارتها رابحة, وسوقها رائجة, فلنعط المال من يتاجر لنا فيه وينمّيه.
قالت: وإن خسرت تجارته..؟
قال سعيد: سأجعل ضمانا عليه..!!
قالت: فنعم إذن..وخرج سعيد فاشترى بعض ضروريات عيشه المتقشف, ثم فرق جميع المال في الفقراء والمحتاجين.
ومرّت الأيام.. وبين الحين والحين تسأله زوجه عن تجارتهما وأيّان بلغت من الأرباح ، ويجيبها سعيد: إنها تجارة موفقة ، وإن الارباح تنمو وتزيد.
وذات يوم سألته نفس السؤال أمام قريب له كان يعرف حقيقة الأمر فابتسم. ثم ضحك ضحكة أوحت إلى روع  الزوجة بالشك والريب, فألحت عليه أن يصارحها الحديث, فقال لها: لقد تصدق بماله جميعه من ذلك اليوم البعيد.
فبكت زوجة سعيد, وآسفها أنها لم تذهب من هذا المال بطائل فلا هي ابتاعت لنفسها ما تريد, وإلا المال بقي..ونظر إليها سعيد وقد زادتها دموعها الوديعة الآسية جمالا وروعة.وقبل أن ينال المشهد الفاتن من نفسه ضعفا, ألقى بصيرته نحو الجنة فرأى فيها  أصحابه السابقين الراحلين فقال:" لقد كان لي أصحاب سبقوني إلى الله... وما أحب أن أنحرف عن طريقهم ولو كانت لي الدنيا بما فيها"..!!   
وإذ خشي أن تدل عليه بجمالها, وكأنه يوجه الحديث إلى نفسه معها:" تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان, ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءتها جميعا, ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا.. فلأن أضحي بك  من أجلهن, أحرى أولى من أن أضحي بهن من أجلك"..!!وأنهى حديثه  كما بدأه, هادئا مبتسما راضيا..وسكنت زوجته, وأدركت أنه لا شيء أفضل لهما من السير في طريق سعيد, وحمل النفس على محاكاته في زهده وتقواه.
كانت حمص أيامئذ, توصف بأنها الكوفة الثانية وسبب هذا الوصف, كثرة تمرّد أهلها واختلافهم على ولاتهم.ولما كانت الكوفة في العراق صاحبة السبق في هذا التمرد فقد أخذت حمص اسمها لما شابهتها ، وعلى الرغم من ولع الحمصيين بالتمرّد كما ذكرنا, فقد هدى الله قلوبهم لعبده الصالح سعيد, فأحبوه وأطاعوه.ولقد سأله عمر يوما فقال: " إن أهل الشام يحبونك".؟فأجابه سعيد قائلا:" لأني أعاونهم وأواسيهم"..!بيد أن مهما يكن أهل حمص حب لسعيد, فلا مفر من أن يكون هناك بعض التذمر والشكوى.. على الأقل لتثبت حمص أنها لا تزال المنافس القوي لكوفة العراق.
تقدم البعض يشكون منه, وكانت شكوى مباركة, فقد كشفت عن جانب من عظمة الرجل, عجيب عجيب جدا..طلب عمر من الزمرة الشاكية أن تعدد نقاط شكواها, واحدة واحدة..فنهض المتحدث بلسان هذه المجموعة وقال: نشكو منه أربعا:" لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار..ولا يجيب أحدا بليل..وله في الشهر يومان لا يخرج فيهما إلينا ولا نراه,وأخرى لا حيلة له فيها ولكنها تضايقنا, وهي أنه تأخذه الغشية بين الحين والحين"..وجلس الرجل:وأطرق عمر مليا, وابتهل إلى الله همسا قال:" اللهم إني أعرفه من خير عبادك..اللهم لا تخيّب فيه فراستي"..ودعاه للدفاع عن نفسه.
يقول سعيد:أما قولهم إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار.." فوالله لقد كنت أكره ذكر السبب.. انه ليس لأهلي خادم, فأنا أعجن عجيني, ثم أدعه يختمر, ثم اخبز خبزي, ثم أتوضأ للضحى, ثم أخرج إليهم"..
تهلل وجه عمر وقال: الحمد لله.. والثانية..؟!وتابع سعيد حديثه:وأما قولهم: لا أجيب أحدا بليل..فوالله, لقد كنت أكره ذكر السبب.. إني جعلت النهار لهم,والليل لربي".
أما قولهم: إن لي يومين في الشهر لا أخرج فيهما..." فليس لي خادم يغسل ثوبي, وليس بي ثياب أبدّلها, فأنا أغسل ثوبي ثم أنتظر أن يجف بعد حين.. وفي آخر النهار أخرج اليهم ".
وأما قولهم: إن الغشية تأخذني بين الحين  والحين.." فقد شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة, وقد بضعت قريش لحمه, وحملوه على جذعه, وهم يقولون له: أحب أن محمدا مكانك, وأنت سليم معافى..؟ فيجيبهم قائلا: والله ما أحب أني في أهلي وولدي, معي عافية الدنيا ونعيمها, ويصاب رسول الله بشوكة..فكلما ذكرت ذلك المشهد الذي رأيته أنا يومئذ من المشركين, ثم تذكرت تركي نصرة خبيب يومها, أرتجف خوفا من عذاب الله, ويغشاني الذي يغشاني".
وانتهت كلمات سعيد التي كانت تغادر شفتيه مبللة بدموعه الورعة الطاهرة..ولم يمالك عمر نفسه ونشوه, فصاح من فرط حبوره." الحمد لله الذي لم يخيّب فراستي".!وعانق سعيدا, وقبّل جبهته المضيئة العالية...   
كان عطاؤه وراتبه بحكم عمله ووظيفته, ولكنه كان يأخذ منه ما يكفيه وزوجه.. ثم يوزع باقيه على بيوت أخرى فقيرة...ولقد قيل له يوما:" توسّع بهذا الفائض على أهلك وأصهارك"..فأجاب قائلا:" ولماذا أهلي وأصهاري..؟لا والله ما أنا ببائع رضا الله بقرابة"..   
وطالما كان يقال له:" توسّع وأهل بيتك في النفقة وخذ من طيّبات الحياة"..ولكنه كان يجيب دائما, ويردد أبدا كلماته العظيمة هذه:" ما أنا بالمتخلف عن الرعيل الأول, بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجمع الله عز وجل الناس للحساب, فيجيء فقراء المؤمنين يزفون كما تزف الحمام, فيقال لهم: قفوا للحساب, فيقولون: ما كان لنا شيء نحاسب عليه.. فيقول الله: صدق عبادي.. فيدخلون الجنة قبل الناس"..    
في العام العشرين من الهجرة, لقي سعيد ربه أنقى ما يكون صفحة, وأتقى ما يكون قلبا, وأنضر ما يكون سيرة..لقد طال شوقه إلى الرعيل الأول الذي نذر حياته لحفظه وعهده, وتتبع خطاه..
أجل لقد طال شوقه إلى رسوله ومعلمه ,  
والى رفاقه الأوّابين المتطهرين.

إستمتع و تابع أيضا :


عبدالله بن حذافة السهمي

أدهى العرب لولا الإسلام

أكبر صلاة جنازه في التاريخ 

كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته .

الاثنين، 3 فبراير 2020

الحب بن الحب ( أسامه بن زيد )

 أسامة بن زيد 

 الحبّ بن الحبّ




جلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسّم أموال بيت المال على المسلمين..
وجاء دور عبدالله بن عمر, فأعطاه عمر نصيبه.
ثم جاء دور أسامة بن زيد, فأعطاه عمر ضعف ما أعطى ولده عبدالله..
 هنا سأل أباه قائلا:" لقد فضّلت عليّ أسامة, وقد شهدت مع رسول الله ما لم يشهد"..؟
فأجابه عمر: " إن أسامة كان أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك.. وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك"..!

فمن هذا ؟؟؟؟؟؟ 

إنه أسامة بن زيد
وقد ط كان لقبه بين الصحابة: الحبّ بن الحبّ..
أبوه زيد بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آثر الرسول على أبيه وأمه وأهله, وهو الذي وقف به النبي على جموع أصحابه يقول:   " أشهدكم إن زيدا هذا ابني, يرثني وأرثه".. وظل اسمه بين المسلمين زيد بن محمد حتى أبطل القرآن الكريم عادة التبنّي.
وأمه هي أم أيمن, مولاة رسول الله وحاضنته.
لم يكن شكله الخارجي يؤهله لشيء.. أي شيء.. فهو كما يصفه الرواة والمؤرخون: أسود, أفطس..
أجل.. بهاتين الكلمتين, لا أكثر يلخص التاريخ حديثه عن شكل أسامة..!!
يقول عليه افضل الصلاة والسلام : " ألا ربّ أشعث, أعبر, ذي طمرين لا يؤبه له, لو أقسم على الله لأبرّه"..

لننظر ماذا كان في ولائه..؟

 ماذا كان في افتدائه..؟ في عظمة نفسه, وامتلاء حياته..؟!
لقد بلغ من ذلك كله المدى الذي هيأه لهذا الفيض من حب رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقديره : " إن أسامة بن زيد لمن أحبّ الناس إليّ, وإني لأرجو إن يكون من صالحيكم, فاستوصوا به خيرا".
كان أسامة رضي الله عنه مالكا لكل الصفات العظيمة التي تجعله قريبا من قلب الرسول.. وكبيرا في عينيه..
فهو ابن مسلمين كريمين من أوائل المسلمين سبقا إلى الإسلام, ومن أكثرهم ولاء للرسول وقربا منه.
وهو من أبناء الإسلام الحنفاء الذين ولدوا فيه, وتلقوا رضعاتهم الأولى من فطرته النقية, دون إن يدركهم من غبار الجاهلية المظلمة شيء..
وهو رضي الله عنه على حداثة سنه, مؤمن, صلب, ومسلم قوي, يحمل كل تبعات إيمانه ودينه, في ولاء مكين, وعزيمة قاهرة ، وهو مفرط في ذكائه, مفرط في تواضعه, ليس لتفانيه في سبيل الله ورسوله حدود.
ثم هو بعد هذا, يمثل في الدين الجديد, ضحايا الألوان الذين جاء الإسلام ليضع عنهم أوزار التفرقة وأوضارها..
فهذا الأسود الأفطس يأخذ في قلب النبي, وفي صفوف المسلمين مكانا عليّا, لأن الدين الذي ارتضاه الله لعباده قد صحح معايير الآدمية والأفضلية بين الناس فقال:
  ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}الحجرات)..
وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح العظيم ورديفه هذا الأسود الأفطس أسامة بن زيد..
ثم رأيناه يدخل الكعبة في أكثر ساعات الإسلام روعة, وفوزا, وعن يمينه ويساره بلال, وأسامة.. رجلان تكسوهما البشرة السوداء الداكنة, ولكن كلمة الله التي يحملانها في قلبيهما الكبيرين قد أسبغت عليهما كل الشرف وكل الرفعة..
وفي سن مبكرة, لم تجاوز العشرين, أمر رسول الله أسامة بن زيد على جيش, بين أفراده وجنوده أبو بكر وعمر..!!
وسرت همهمة بين نفر من المسلمين تعاظمهم الأمر, واستكثروا على الفتى الشاب, أسامة بن زيد, إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين..
وبلغ همسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصعد المنبر, وحمد الله وأثنى عليه, ثم قال:
    " إن بعض الناس يطعنون في إمارة أسامة بن زيد.. ولقد طعنوا في إمارة أبيه من قبل..  وإن كان أبوه لخليقا للإمارة..
 وإن أسامة لخليق لها..  وإنه لمن أحبّ الناس إليّ بعد أبيه..
وإني لأرجو أن يكون من صالحيكم.. فاستوصوا به خيرا"..
وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتحرّك الجيش إلى غايته ولكنه كان قد ترك وصيته الحكيمة لأصحابه:
 " أنفذوا بعث أسامة..  أنفذوا بعث أسامة.."
وهكذا قدّس الخليفة أبو بكر هذه الوصية , وعلى الرغم من اللغط وفى الخلافة الجديدة التي خلفتها وفاة الرسول, فإن الصدّيق أصرّ على إنجاز وصيته وأمره, فتحرّك جيش أسامة إلى غايته, بعد إن استأذنه الخليفة في إن يدع عمر ليبقى إلى جواره في المدينة.
وبينما كان إمبراطور الروم هرقل, يتلقى خبر وفاة الرسول, تلقى في نفس الوقت خبر الجيش الذي يغير على تخوم الشام بقيادة أسامة بن زيد, فحيّره إن يكون المسلمون من القوة بحيث لا يؤثر موت رسولهم في خططهم ومقدرتهم.
وهكذا انكمش الروم, ولم يعودوا يتخذون من حدود الشام نقط وثوب على مهد الإسلام في الجزيرة العربية.
وعاد الجيش بلا ضحايا , 

وقال عنه المسلمون يومئذ:

    " ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"..!!
وذات يوم تلقى أسامة من رسول الله درس حياته.. درسا بليغا, عاشه أسامة, وعاشته حياته كلها منذ غادرهم الرسول إلى الرفيق الأعلى إلى أن لقي أسامة ربه في أواخر خلافة معاوية.
قبل وفاة الرسول بعامين بعثه عليه السلام أميرا على سريّة خرجت للقاء بعض المشركين الذين يناوئون الإسلام والمسلمين.
وكانت تلك أول إمارة يتولاها أسامة..
ولقد أحرز في مهمته النجاح والفوز, وسبقته إنباء فوزه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح بها وسر.
ولنستمع إلى أسامة يروي لنا بقية النبأ:
".. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم, وقد أتاه البشير بالفتح, فإذا هو متهلل وجهه.. فأدناني منه ثم قال:حدّثني..
فجعلت أحدّثه.. وذكرت إنه لما انهزم القوم أدركت رجلا وأهويت إليه بالرمح, فقال لا اله إلا الله فطعنته وقتلته.
فتغيّر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال:
ويحك يا أسامة.. فكيف لك بلا اله إلا الله..؟
ويحك يا أسامة.. فكيف لك بلا اله إلا الله..؟
فلم يزل يرددها عليّ حتى لوددت إني انسلخت من كل عمل عملته ، واستقبلت الإسلام يومئذ من جديد.
فلا والله لا أقاتل أحدا قال لا اله إلا الله بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم".
هذا هو الدرس العظيم الذي وجّه حياة أسامة الحبيب بن الحبيب منذ سمعه من رسول الله  إلى أن رحل عن الدنيا راضيا مرضيّا ، درس يكشف عن إنسانية الرسول, وعدله, وسموّ مبادئه, وعظمة دينه وخلقه..
فهذا الرجل الذي أسف النبي لمقتله, وأنكر على أسامة قتله, كان مشركا ومحاربا.
وهو حين قال: لا اله إلا الله.. قالها والسيف في يمينه, تتعلق به مزغ اللحم التي نهشها من أجساد المسلمين.. قالها لينجو بها من ضربة قاتلة, أو ليهيئ لنفسه فرصة يغير فيها اتجاهه ثم يعاود القتال من جديد..
ومع هذا, فلأنه قالها, وتحرّك بها لسانه, يصير دمه حراما وحياته آمنة, في نفس اللحظة, ولنفس السبب..!

ووعى أسامة الدرس إلى منتهاه..

فإذا كان هذا الرجل, في هذا الموقف, ينهى الرسول عن قتله لمجرّد إنه قل: لا اله إلا الله.. فكيف بالذين هم مؤمنون حقا, ومسلمون حقا..؟
وهكذا رأيناه عندما نشبت الفتنة الكبرى بين الإمام علي وأنصاره من جانب, ومعاوية وأنصاره من جانب آخر, يلتزم حيادا مطلقا.
كان يحبّ عليّا أكثر الحب, وكان يبصر الحق إلى جانبه.. ولكن كيف يقتل بسيفه مسلما يؤمن بالله وبرسله, وهو لذي لامه الرسول لقتله مشركا محاربا قال في لحظة انكساره وهروبه: لا اله إلا الله..؟؟!!
هنالك أرسل إلى الإمام علي رسالة قال فيها:
" إنك لو كنت في شدق الأسد, لأحببت أن أدخل معك فيه ولكن هذا أمر لم أره"..!!
ولزم داره طوال هذا النزاع وتلك الحروب..
وحين حاءه بعض أصحابه يناقشونه في موقفه قال لهم: 
" لا أقاتل أحدا يقول لا اله إلا الله أبدا".
قال أحدهم له: ألم يقل الله تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ {193}البقرة)..؟؟
فأجابهم أسامة قائلا: " أولئك هم المشركون, ولقد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله لله"..
وفي العام الرابع والخمسين من الهجرة.. اشتاق أسامة للقاء الله, وتلملمت روحه بين جوانحه, تريد إن ترجع إلى وطنها الأول..

إستمتع و تابع أيضا :


عبدالله بن حذافة السهمي

أدهى العرب لولا الإسلام

أكبر صلاة جنازه في التاريخ




كل المعلومات فى مدونه قصص بطولات إسلاميه هى من الكتب المتوفره على الانترنت ويمكن تنزيلها بسهولة بالاضافة الى العديد من الكتب الورقية التي أفضل شخصيا البحث فيها لعشقنا للكتاب الحقيقي و يمكنك أن تتعرف على بعض مصادرنا من خلال مراجعة موضوع            نفع الله بنا وبكم و أسكنكم فسيح جناته .

المشاركات الشائعة

 
copyright © 2013 بطولات إسلاميه و إنجازات
GooPlz Blogger Template Download. Powered byBlogger blogger templates